• الفهرس
  • عدد النتائج:
  • تم فهرس الجزء الأول من كتاب نفح الطيب
  • هذا النّعيم الذي كنّا نحدّثه

    ولا سبيل له إلّا بآذان

    فقال له أبو بكر بن سعيد : وإلى الآن لا سبيل له إلّا بآذان (١)؟ فقال : حتى يبعث الله ولد زنى كلما أنشدت هذه الأبيات قال : إنها (٢) لأعمى ، فقال : أمّا أنا ، فلا أنطق بحرف ، فقال : من صمت نجا. وكانت نزهون بنت القلاعي حاضرة فقالت : وتراك يا أستاذ ، قديم النعمة بمجمر ندّ وغناء وشراب ، فتعجب من تأتّيه وتشبّهه بنعيم الجنة ، وتقول : ما كان يعلم إلّا بالسماع ، ولا يبلغ إليه بالعيان؟ ولكن من يجيء من حصن المدوّر ، وينشأ بين تيوس وبقر ، من أين له معرفة بمجالس النعيم؟ فلمّا استوفت كلامها تنحنح الأعمى ، فقالت له : ذبحة ، فقال : من هذه الفاضلة؟ فقالت : عجوز مقام أمّك ، فقال : كذبت ، ما هذا صوت عجوز ، إنّما هذه نغمة قحبة محترقة تشمّ روائح هنها (٣) على فراسخ (٤) ، فقال له أبو بكر : يا أستاذ ، هذه نزهون بنت القلاعي الشاعرة الأديبة ، فقال : سمعت بها ، لا أسمعها الله خيرا! ولا أراها إلّا أيرا! فقالت له : يا شيخ سوء تناقضت ، وأيّ خير للمرأة مثل ما ذكرت؟ ففكّر ساعة ثم قال : [الطويل]

    على وجه نزهون من الحسن مسحة

    وإن كان قد أمسى من الضوء عاريا

    قواصد نزهون توارك غيرها

    ومن قصد البحر استقلّ السّواقيا (٥)

    فأعملت فكرها ثم قالت : [المجتث]

    قل للوضيع مقالا

    يتلى إلى حين يحشر

    من المدوّر أنشئ

    ت والخرا منه أعطر

    حيث البداوة أمست

    في مشيها تتبختر

    لذاك أمسيت صبّا

    بكلّ شيء مدوّر

    خلقت أعمى ولكن

    تهيم في كل أعور

    جازيت شعرا بشعر

    فقل لعمري من اشعر

    __________________

    (١) هنا تعريض بأن المخاطب أعمى.

    (٢) في ب : إنّ قائلها أعمى.

    (٣) هن المرأة : فرجها.

    (٤) في ب : فرسخ.

    (٥) هذا البيت في الأصل للمتنبي يمتدح كافورا الإخشيدي :

    قواصد كافور توارك غيره

    ومن قصد البحر استقلّ السواقيا