بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٢٨
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

( باب ١٤ )

* ( قصة شعيا وحيقوق عليهما السلام (١) ) *

١ ـ ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده عن جابر ، عن الباقر عليه‌السلام قال : قال علي (ع) : أوحى الله تعالى جلت قدرته إلى شعيا عليه‌السلام إني مهلك من قومك مائة ألف أربعين ألفا من شرارهم وستين ألفا من خيارهم ، فقال عليه‌السلام : هؤلاء الاشرار فما بال الاخبار؟ فقال : داهنوا أهل المعاصي فلم يغضبوا لغضبي. (٢)

٢ ـ ص : بالاسناد إلى الصدوق بإسناده عن وهب بن منبه قال : كان في بني إسرائيل ملك (٣) في زمان شعيا وهم متابعون مطيعون لله ، ثم إنهم ابتدعوا البدع فأتاهم ملك بابل (٤) وكان نبيهم يخبرهم بغضب الله عليهم ، فلما نظروا إلى مالا قبل لهم من الجنود تابوا وتضرعوا ، فأوحى الله تعالى إلى شعيا إني قبلت توبتهم لصلاح آبائهم ، وملكهم كان قرحة بساقه وكان عبدا صالحا ، فأوحى الله تعالى إلى شعيا عليه‌السلام أن مر ملك بني إسرائيل فليوص وصيته وليستخلف على بني إسرائيل من أهل بيته ، فإني قابضه يوم كذا ، فليعهد عهده ، فأخبره شعيا عليه‌السلام برسالته تعالى عز وعلا ، فلما قال له ذلك أقبل على التضرع والدعاء والبكاء ، فقال : اللهم ابتدأتني بالخير من أول يوم ، و

__________________

(١) قال الثعلبي : هو شعيا بن أمضيا كان قبل مبعث زكريا ويحيى ، وهو الذي بشر بيت المقدس حين شكا اليه الخراب ، فقال : ابشر فانه يأتيك راكب الحمار ومن بعده صاحب البعير. قلت : الظاهر هو أشعياء المذكور في التوراة ، قيل : كان هو ابن آموص ، وآموص أخو امصيا ملك اليهود ، كان في ٧٠٠ سنة قبل تولد المسيح عليه‌السلام. وأما حيقوق فهو حبقوق بالباء المذكور في التوراة قيل : كان في ٦٠٠ سنة قبل المسيح.

(٢) قصص الانبياء مخطوط.

(٣) قال الثعلبي : كان يدعى صديقة. قلت : لعله صدقيا المذكور في التوراة.

(٤) قال الثعلبي : هو سنجاريب ملك بابل. قلت : لعله سنخاريب بالخاء المذكور في التوراة.

١٦١

سببته لي ، وأنت فيما أستقبل رجائي وثقتي ، فلك الحمد بلا عمل صالح سلف مني ، و أنت أعلم مني بنفسي ، أسألك أن تؤخر عني الموت ، وتنسئ (١) لي في عمري ، وتستعملني بما تحب وترضى ، فأوحى الله تعالى إلى شعيا إني رحمت تضرعه ، واستجبت دعوته ، و قد زدت في عمره خمس عشرة سنة ، فمره فليداو قرحته بماء التين فإني قد جعلته شفاء مما هو فيه ، وإني قد كفيته وبني إسرائيل مؤونة عدوهم ، فلما أصبحوا وجدوا جنود ملك بابل مصروعين في عسكرهم موتى ، لم يفلت منهم أحد إلا ملكهم وخمسة نفر (٢) فلما نظروا إلى أصحابهم وما أصابهم كروا منهزمين إلى أرض بابل ، وثبت بنو إسرائيل متوازرين على الخير ، فلما مات ملكهم ابتدعوا البدع ، ودع كل إلى نفسه ، وشعيا (ع) يأمرهم وينهاهم فلا يقبلون حتى أهلكهم الله.

وعن أنس أن عبدالله بن سلام سأل النبي (ص) عن شعيا عليه‌السلام فقال : هو الذي بشر بي وبأخي عيسى بن مريم عليه‌السلام. (٣)

أقول : قال صاحب الكامل بعد أن ذكر نحوا مما رواه وهب : قيل : إن شعيا أوحى الله إليه ليقوم في بني إسرائيل يذكرهم بما يوحى على لسانه لما كثرت فيهم الاحداث ، ففعل فعدوا عليه ليقتلوه فهرب منهم فلقيته شجرة فانفلقت له فدخلها ، وأخذ الشيطان يهدب ثوبه وأراه بني إسرائيل فوضعوا المنشار على الشجرة فنشروها حتى قطعوه في وسطها. (٤)

أقول : سيأتي بعض أحواله في باب قصص بخت نصر.

٣ ـ ج ، ن ، يد : عن الحسن بن محمد النوفلي ، عن الرضا (ع) فيما احتج على أرباب الملل قال عليه‌السلام للجاثليق : يانصراني كيف علمك بكتاب شعيا؟ قال : أعرفه حرفا حرفا ، فقال له ولرأس الجالوت : أتعرفان هذا من كلامه : « ياقوم إني رأيت صورة راكب الحمار

__________________

(١) اي تؤخر.

(٢) قال الثعلبي : وكان احدهم بخت نصر.

(٣) قصص الانبياء مخطوط.

(٤) الكامل ١ : ٨٧ ٨٨.

١٦٢

لابسا جلابيب النور ، ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء القمر »؟ فقالا : قد قال ذلك شعيا. ثم قال عليه‌السلام : وقال شعيا النبي فيما تقول أنت وأصحابك في التوراة : « رأيت راكبين أضاء لهما الارض أحدهما على حمار والآخر على جمل » فمن راكب الحمار؟ ومن راكب الجمل؟ قال رأس الجالوت : لا أعرفهما ، فخبرني بهما ، قال : أما راكب الحمار فعيسى وأما راكب الجمل فمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أتنكر هذا من التوراة؟ قال : لا ما أنكره.

ثم قال الرضا (ع) : هل تعرف حيقوق النبي عليه‌السلام؟ قال : نعم إني به لعارف ، قال : فإنه قال وكتابكم ينطق به : « جاء الله بالبيان من جبل فاران ، وامتلات السماوات من تسبيح أحمد وأمته ، يحمل خيله في البحر كما يحمل في البر ، يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس » يعني بالكتاب القرآن ، أتعرف هذا وتؤمن به؟ قال رأس الجالوت قد قال ذلك حيقوق النبي ولا ننكر قوله. (١)

( باب ١٥ )

* ( قصص زكريا ويحيى عليهما السلام ) *

الايات ، آل عمران « ٣ » هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء * فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين * قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل مايشاء * قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والابكار ٣٨ ٤١.

مريم « ١٩ » كهيعص * ذكر رحمة ربك عبده زكريا * إذ نادى ربه نداء خفيا * قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا * وإني

__________________

(١) عيون الاخبار : ٩١ و ٩٣ ، احتجاج الطبرسي : ٢٢٩ و ٢٣٠ و ٢٣١ ، توحيد الصدوق : ٤٣٧ ، و ٤٤١ ، و ٤٤٢ والحديث طويل تقدم بتمامه في كتاب الاحتجاجات. راجع ١٠ : ( ٢٩٩ ٣١٨. )

١٦٣

خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا * يازكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا * قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا * قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا * قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا * فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا * يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا * وحنانا من لدنا وزكوة وكان تقيا * وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا * وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ١ ١٥.

الانبياء « ٢١ » وزكريا إذ نادى ربه رب لاتذرني فردا وأنت خير الوارثين * فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين ٨٩ و ٩٠.

١ ـ فس : « وأصلحنا له زوجه » قال : كانت لاتحيض فحاضت. (١)

٢ ـ ن : ماجيلويه ، عن علي ، عن أبيه ، عن الريان بن شبيب قال : دخلت على الرضا (ع) في أول يوم من المحرم ، فقال : يا ابن شبيب أصائم أنت؟ فقلت : لا ، فقال : إن هذا اليوم هو اليوم الذي دعا فيه زكريا (ع) ربه فقال : « رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء » فاستجاب الله له وأمر الملائكة فنادت زكريا وهو قائم يصلي في المحراب « إن الله يبشرك بيحيى » فمن صام هذا اليوم ثم دعا الله عزوجل استجاب الله له كما استجاب لزكريا عليه‌السلام. (٢)

٣ ـ كا : علي بن محمد ، عن بعض أصحابه ، عن محمد بن سنان ، عن أبي سعيد المكاري عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت : ما عنى الله تعالى بقوله في يحيى : « وحنانا من لدنا وزكوة »؟ قال : تخنن الله ، قال : قلت : فما بلغ من تخنن الله عليه؟ قال : كان إذا قال : يارب قال الله عزوجل له : لبيك يايحيى. (٣)

__________________

(١) تفسير القمي : ٤٣٣.

(٢) عيون الاخبار : ١٦٥ ١٦٦.

(٣) اصول الكافي : ٢ : ٥٣٤ ٥٣٥.

١٦٤

٤ ـ لى : القطان ، عن محمد بن سعيد بن أبي شحمة ، عن عبدالله بن سعيد بن هاشم القناني ، (١) عن أحمد بن صالح ، عن حسان بن عبدالله الواسطي ، عن عبدالله بن لهيعة ، عن أبي قبيل ، عن عبدالله بن عمر قال : قال رسول الله (ص) : كان من زهد يحيى بن زكريا (ع) أنه أتى بيت المقدس فنظر إلى المجتهدين من الاحبار والرهبان عليهم مدارع الشعر ، و برانس الصوف ، وإذا هم قد خرقوا تراقيهم وسلكوا فيها السلاسل وشدوها إلى سواري المسجد ، فلما نظر إلى ذلك أتى أمه فقال : يا أماه انسجي لي مدرعة من شعر وبرنسا من صوف حتى آتي بيت المقدس فأعبدالله مع الاحبار والرهبان ، فقالت له أمه : حتى يأتي نبي الله وأؤامره (٢) في ذلك ، فلما دخل زكريا عليه‌السلام أخبرته بمقالة يحيى ، فقال له زكريا : يابني مايدعوك إلى هذا وإنما أنت صبي صغير؟ فقال له : يا أبه أما رأيت من هو أصغر سنا مني قد ذاق الموت؟ قال : بلى ، ثم قال لامه : انسجي له مدرعة من شعر ، وبرنسا من صوف ، ففعلت فتدرع المدرعة على بدنه ، ووضع البرنس على رأسه ، ثم أتى بيت المقدس فأقبل يعبد الله عزوجل مع الاحبار حتى أكلت مدرعة الشعر لحمه ، فنظر ذات يوم إلى ما قد نحل من جسمه فبكى ، فأوحى الله عزوجل إليه : يايحيى أتبكي مما قد نحل من جسمك؟ وعزتي وجلالي لو اطلعت إلى النار اطلاعة لتدرعت مدرعة الحديد فضلا عن المنسوج ، فبكى حتى أكلت الدموع لحم خديه ، وبدا للناظرين أضراسه فبلغ ذلك أمه فدخلت عليه وأقبل زكريا عليه‌السلام واجتمع الاحبار والرهبان فأخبروه بذهاب لحم خديه ، فقال : ما شعرت بذلك ، فقال زكريا عليه‌السلام : يا بني ما يدعوك إلى هذا؟ إنما سألت ربي أن يهبك لي لتقر بك عيني ، قال : أنت أمرتني بذلك يا أبه ، قال : و متى ذلك يابني؟ قال : ألست القائل : إن بين الجنة والنار لعقبة لا يجوزها إلا البكاؤون من خشية الله؟ قال : بلى ، فجد واجتهد وشأنك غير شأني ، فقام يحيى فنفض مدرعته (٣) فأخذته أمه ،

__________________

(١) في نسخة : القنائي. وفي المصدر : القناني البغدادي سنة خمس وثمانين ومائتين. فهو إما بفتح القاف ونونين بينهما ألف ، أو بضم القاف وفتح النون المشددة وبعد الالف ياء.

(٢) أي اشاوره.

(٣) أي اسقطها.

١٦٥

فقالت : أتأذن لي يابني أن أتخذ لك قطعتي لبود تواريان أضراسك وتنشفان دموعك؟ فقال لها : شأنك ، فاتخذت له قطعتي لبود تواريان أضراسه وتنشفان دموعه حتى ابتلتا من دموع عينيه (١) فحسر عن ذراعيه ، ثم أخذهما فعصرهما فتحدر الدموع من بين أصابعه ، فنظر زكريا عليه‌السلام إلى ابنه وإلى دموع عينيه فرفع رأسه إلى السماء فقال : اللهم إن هذا ابني وهذه دموع عينيه وأنت أرحم الراحمين.

وكان زكريا (ع) إذا أراد أن يعظ بني إسرائيل يلتفت يمينا وشمالا فإن رأى يحيى عليه‌السلام لم يذكر جنة ولا نارا ، فجلس ذات يوم يعظ بني إسرائيل وأقبل يحيى قد لف رأسه بعباءة فجلس في غمار الناس (٢) والتفت زكريا عليه‌السلام يمينا وشمالا فلم ير يحيى فأنشأ يقول : حدثني حبيبي جبرئيل عليه‌السلام عن الله تبارك وتعالى أن في جهنم جبلا يقال له السكران ، في أصل ذلك الجبل واد يقال له الغضبان لغضب الرحمن تبارك وتعالى ، في ذلك الوادي جب قامته مائة عام ، في ذلك الجب توابيت من نار ، في تلك التوابيت صناديق من نار ، وثياب من نار ، وسلاسل من نار ، وأغلال من نار ، فرفع يحيى عليه‌السلام رأسه فقال : واغفلتاه من السكران ، ثم أقبل هائما على وجهه ، (٣) فقام زكريا (ع) من مجلسه فدخل على أم يحيى فقال لها : يا أم يحيى قومي فاطلبي يحيى فإني قد تخوفت أن لانراه إلا وقد ذاق الموت ، فقامت فخرجت في طلبه حتى مرت بفتيان من بني إسرائيل فقالوا لها : يا أم يحيى أين تريدين؟ قالت : أريد أن أطلب ولدي يحيى ، ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه ، فمضت أم يحيى والفتية معها حتى مرت براعي غنم فقالت له : يا راعي هل رأيت شابا من صفته كذا وكذا؟ فقال لها : لعلك تطلبين يحيى بن زكريا؟ قالت : نعم ذاك ولدي ، ذكرت النار بين يديه فهام على وجهه ، قال : إني تركته الساعة على عقبة ثنية كذا وكذا ، ناقعا قدميه (٤) في الماء ، رافعا بصره إلى السماء يقول : « وعزتك مولاي لاذقت بارد الشراب

__________________

(١) هكذا في النسخ ، وفي المصدر : فبكى حتى ابتلتا من دموع عينيه.

(٢) اي في جماعتهم ولفيفهم.

(٣) هام على وجهه : ذهب لايدري أين يتوجه.

(٤) من نقع الدواء في الماء : اقره فيه.

١٦٦

حتى أنظر إلى منزلتي منك » فأقبلت أمه فلما رأته أم يحيى دنت منه فأخذت برأسه فوضعته بين ثدييها وهي تناشده بالله أن ينطلق معها إلى المنزل فانطلق معها حتى أتى المنزل ، فقالت له أم يحيى : هل لك أن تخلع مدرعة الشعر وتلبس مدرعة الصوف فإنه ألين؟ ففعل ، وطبخ له عدس فأكل واستوفى فنام فذهب به النوم فلم يقم لصلاته ، (١) فنودي في منامه : يايحيى بن زكريا أردت دارا خيرا من داري وجوارا خيرا من جواري؟ فاستيقظ فقام فقال : يارب أقلني عثرتي ، إلهي فوعزتك لا أستظل بظل سوى بيت المقدس ، وقال لامه : ناوليني مدرعة الشعر فقد علمت أنكما ستورداني المهالك ، فتقدمت أمه فدفعت إليه المدرعة و تعلقت به ، فقال لها زكريا : يا أم يحيى دعيه فإن ولدي قد كشف له عن قناع قلبه ولن ينتفع بالعيش ، فقام يحيى عليه‌السلام فلبس مدرعته ووضع البرنس على رأسه ، ثم أتى بيت المقدس فجعل يعبد الله عزوجل مع الاحبار حتى كان من أمره ما كان. (٢)

بيان : المدرعة بكسر الميم : القميص. والبرنس : قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر الاسلام ، واللبود جمع اللبد ، وغمار الناس بالضم والفتح : زحمتهم وكثرتهم ، و ثنية الجبل : منعطفه.

٥ ـ من خط الشهيد قدس‌سره نقلا من كتاب زهد الصادق عنه عليه‌السلام قال : بكى يحيى بن زكريا (ع) حتى ذهب لحم خديه من الدموع ، فوضع على العظم لبودا يجري عليها الدموع ، فقال له أبوه : يابني إني سألت الله تعالى أن يهبك لي لتقر عيني بك ، فقال : يا أبه إن على نيران ربنا معاثر (٣) لايجوزها إلا البكاؤون من خشية الله عزوجل ، وأتخوف أن آتيها فأزل منها ، فبكى زكريا عليه‌السلام حتى غشي عليه من البكاء.

٦ ـ فس : أبي ، عن حنان بن سدير ، عن عبدالله بن الفضل الهمداني ، (٤) عن

__________________

(١) فيه غرابة وكذا في قوله : علمت انكما ستورداني المهالك ، والحديث مروى من طرق العامة وهم في فسحة من ذلك وامثاله.

(٢) امالي الصدوق : ١٨ ٢٠.

(٣) المعاثر : المساقط والمهالك.

(٤) في المصدر : عبدالله بن الفضيل الهمداني.

١٦٧

أبيه ، عن جده ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : مر عليه رجل عدو لله ولرسوله فقال : « فما بكت عليهم السماء والارض وما كانوا منظرين » ثم مر عليه الحسين بن علي (ع) فقال : لكن هذا لتبكين عليه السماء والارض ، وقال : ومابكت السماء والارض إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي عليهما‌السلام. (١)

٧ ـ ب : عنهما ، (٢) عن حنان ، عن الصادق عليه‌السلام قال : زوروا الحسين (ع) ولاتجفوه فإنه سيد شباب الشهداء ، وسيد شباب أهل الجنة ، وشبيه يحيى بن زكريا عليه‌السلام ، وعليهما بكت السماء والارض. (٣)

٨ ـ كا : علي عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام إن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يقرأ : « وإني خفت الموالي من ورائي » يعني أنه لم يكن له وارث حتى وهب الله له بعد الكبر. (٤)

٩ ـ فر : سهل بن أحمد الدينوري معنعنا عن أبي عبدالله عليه‌السلام وساق الحديث في أحوال القيامة إلى أن قال : ثم ينادي المنادي وهو جبرئيل عليه‌السلام : أين فاطمة بنت محمد؟ أين خديجة بنت خويلد؟ أين مريم بنت عمران؟ أين آسية بنت مزاحم؟ أين أم كلثوم أم يحيى بن زكريا؟ فيقمن. الحديث. (٥)

١٠ ـ فس : « هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك

__________________

(١) تفسير القمي : ٦١٦.

(٢) اي محمد بن عبدالحميد وعبدالصمد بن محمد.

(٣) قرب الاسناد : ٤٨ ، وللحديث صدر يأتي في كتاب المزار ان شاء الله واخرجه البحراني في تفسيره عن كتاب محمد بن العباس بن الماهيار باسناده عن جعفر بن محمد بن قولويه ، عن أبيه ومحمد ابن علي بن الحسين ، عن سعد بن عبدالله ، عن احمد بن بكر ، عن موسى بن الفضل ، عن حنان ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام ، وعنه قال : حدثني محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار عن عبدالصمد بن أحمد ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام ، وعنه بهذا الاسناد عن احمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن الحسين ، عن ابن سدير ، عن ابي عبدالله مثله. قلت : عبدالصمد بن احمد مصحف محمد.

(٤) فروع الكافي ٢ : ٨٢

(٥) تفسير الفرات : ١١٣ و ١١٤.

١٦٨

سميع الدعاء * فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين » الحصور : الذي لا يأتي النساء « قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر » والعاقر التي قد يئست من المحيض « قال كذلك الله يفعل مايشاء قال » زكريا : « رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام » (١) وذلك أن زكريا ظن أن الذين بشروه هم الشياطين (٢) « قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا » فخرس ثلاثة أيام. (٣)

بيان : قال الطبرسي رحمه الله : « هنالك » أي عند ما رأى عند مريم عليها‌السلام فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف على خلاف العادة « دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة » أي طمع في رزق الولد من العاقر ، وقوله : « طيبة » أي مباركة ، وقيل : صالحة تقية نقية العمل « إنك سميع الدعاء » بمعنى قابل الدعاء ومجيب له « فنادته الملائكة » قيل : ناداه جبرئيل أي أتاه النداء من هذا الجنس ، وقيل : نادته جماعة من الملائكة « وهو قائم يصلي في المحراب » أي في المسجد ، وقيل : في محراب المسجد « أن الله يبشرك بيحيى » سماه الله بهذا الاسم قبل مولده ، واختلف فيه لم سمي بيحيى؟ فقيل : لان الله أحيا به عقر أمه ، عن ابن عباس ، وقيل : لان الله سبحانه أحياه بالايمان عن قتادة ، وقيل : لانه سبحانه أحيا قلبه بالنبوة ، ولم يسم قبله أحدا بيحيى « مصدقا بكلمة من الله » أي بعيسى ، وعليه جميع المفسرين إلا ما حكي عن أبي عبيدة أنه قال : بكتاب الله ، (٤) وكان يحيى أكبر سنا من عيسى عليه‌السلام بستة أشهر ، وكلف التصديق به ، وكان أول من صدقه وشهد أنه كلمة الله وروحه ، وكان ذلك إحدى معجزات عيسى و أقوى الاسباب لاظهار أمره ، فإن الناس كانوا يقبلون قول يحيى لمعرفتهم بصدقه وزهده

__________________

(١) اضاف في المصدر : الا رمزا.

(٢) سيأتي الايعاز من الطبرسي إلى تخطئة ذلك ، وهو تفسير من علي بن ابراهيم لم يسنده إلى حديث ولا إلى قائل ، نعم سيأتي حديث يوافق ذلك الا انه مرسل ولم يتابع عليه.

(٣) تفسير القمي : ٩١ ٩٢.

(٤) في المصدر : بكتاب من الله.

١٦٩

« وسيدا » في العلم والعبادة ، وقيل : في الحلم والتقوى (١) وحسن الخلق ، وقيل : كريما على ربه ، وقيل : فقيها عالما ، وقيل : مطيعا لربه ، وقيل : مطاعا ، وقيل : سيدا للمؤمنين بالرئاسة عليهم ، والجميع يرجع إلى أصل واحد « وحصورا » وهو الذي لايأتي النساء ، عن ابن عباس و ابن مسعود والحسن وقتادة وهو المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام ، (٢) ومعناه أنه يحصر نفسه عن الشهوات أي يمنعها ، وقيل : الحصور إنه لايدخل (٣) في اللعب والاباطيل ، عن المبرد وقيل : العنين ، وهذا لا يجوز على الانبياء لانه عيب وذم ، ولان الكلام خرج مخرج المدح « ونبيا من الصالحين » أي رسولا شريفا رفيع المنزلة من جملة الانبياء « قال رب أنى يكون » أي من أين يكون؟ وقيل : كيف يكون « لي غلام (٤) وقد بلغني الكبر » أي أصابني الشيب ونالني الهرم ، قال ابن عباس : كان يومئذ ابن عشرين ومائة سنة ، و كانت امرأته بنت ثمان وتسعين سنة « وامرأتي عاقر » أي عقيم لا تلد ، فإن قيل : لم راجع زكريا هذه المراجعة وقد بشره الله بأن يهب له ذرية طيبة؟ قيل : إنما قال ذلك على سبيل التعرف عن كيفية حصول الولد ، أيعطيهما وهما على ماكانا عليه من الشيب أم يصرفهما إلى حال الشباب ثم يرزقهما الولد؟ ويحتمل أن يكون اشتبه الامر عليه أن يعطيه الولد من امرأته العجوز أم من امرأة أخرى شابة ، فقال تعالى : « كذلك » وتقديره كذلك الامر الذي أنتما عليه وعلى تلك الحال « الله يفعل مايشاء » معناه : يرزقك الله الولد منها فإنه هين عليه ، وقيل فيه وجه آخر وهو أنه إنما قال ذلك على سبيل الاستعظام لمقدور الله تعالى والتعجب الذي يحصل للانسان عند ظهور آية عظيمة ، كمن يقول لغيره : كيف سمحت نفسك لاخراج ذلك المال النفيس من يدك؟ تعجبا من جوده ، وقيل : إنه قال ذلك على وجه التعجب من أنه كيف أجابه الله إلى مراده فيما دعا وكيف استحق لذلك ، (٥)

__________________

(١) في المصدر : في العلم والتقى.

(٢) في المصدر : عن أبي عبدالله عليه‌السلام.

(٣) في المصدر : الحصور : الذي لايدخل في اللعب.

(٤) في المصدر : اي ولد.

(٥) في المصدر وكيف استحق ذلك.

١٧٠

ومن زعم أنه إنما قال ذلك للوسوسة التي خالطت قلبه من الشيطان أو خيلت إليه أن النداء كان من غير الملائكة فقد أخطأ ، لان الانبياء لابد أن يعرفوا الفرق بين كلام الملك ووسوسة الشيطان ، (١) ولا يجوز أن يتلاعب الشيطان بهم حتى يختلط عليهم طريق الافهام ، ثم سأل الله سبحانه علامة يعرف بها وقت حمل امرأته ليزيد في العبادة شكرا ، وقيل ليتعجل السرور « قال رب اجعل لي آية » أي علامة لوقت الحمل والولد ، فجعل الله تلك العلامة في إمساك لسانه عن الكلام إلا إيماء من غير آفة حدثت فيه بقوله : « قال آيتك » أي قال الله ، أو جبرئيل ، أي علامتك « أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا » أي إيماء ، وقيل : الرمز تحريك الشفتين ، وقيل : أراد به صومه ثلاثة أيام لانهم كانوا إذا صاموا لم يتكلموا إلا رمزا « واذكر ربك كثيرا » أي في هذه الايام الثلاثة ، و معناه أنه لما منع عن الكلام عرف أنه لم يمنع عن الذكر لله سبحانه والتسبيح له وذلك أبلغ في الاعجاز « وسبح » أي نزه الله ، وقيل : معناه : صل (٢) « بالعشي والابكار » آخر النهار وأوله. (٣)

١١ ـ ن ، ل : ابن الوليد ، عن سعد ، عن أحمد بن حمزة الاشعري ، عن ياسر الخادم قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : إن أوحش مايكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن : يوم يلد فيخرج من بطن أمه فيرى الدنيا ، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها ، ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا ، وقد سلم الله على يحيى في هذه الثلاثة المواطن وآمن روعته فقال : « وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا » وقد سلم عيسى بن مريم عليه‌السلام على نفسه في هذه الثلاثة المواطن فقال : « والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ». (٤)

١٢ ـ ما : ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن الحسن بن القاسم ، عن ثبير بن (٥)

__________________

(١) والا فيجوز ان يلقى الشيطان اليهم كلاما فيزعم أنه من الله ، ( فيبايعه )؟ قومه فيعملون و يضلون.

(٢) اضاف في المصدر : كما يقال : فرغت من سبحتي أي صلاتي.

(٣) مجمع البيان ٢ : ٤٣٨ ٤٣٩ و ٤٤٠.

(٤) عيون الاخبار : ١٤٢.

(٥) هكذا في النسخ والمصدر ، قال ابن حجر في لسان الميزان ج ٢ ص ٨٢ : ثبين بن ابراهيم ابن شيبان روى عن جعفر الصادق ، وعنه الحسين بن قاسم ، ذكره ابن عقدة في الشيعة فتأمل.

١٧١

إبراهيم ، عن سليم بن بلال المدني ، (١) عن الرضا ، عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، عن آبائه عليهم‌السلام إن إبليس كان يأتي الانبياء من لدن آدم (ع) إلى أن بعث الله المسيح (ع) يتحدث عندهم ويسائلهم ، ولم يكن بأحد منهم أشد أنسا منه بيحيى بن زكريا عليه‌السلام ، فقال له يحيى : يا بامرة إن لي إليك حاجة ، فقال له : أنت أعظم قدرا من أن أردك بمسألة فسلني ماشئت ، فإني غير مخالفك في أمر تريده ، فقال يحيى : يا بامرة أحب أن تعرض علي مصائدك وفخوخك التي تصطاد بها بني آدم ، فقال له إبليس : حبا و كرامة ، وواعده لغد ، فلما أصبح يحيى عليه‌السلام قعد في بيته ينتظر الموعد وأغلق عليه الباب إغلاقا فما شعر حتى ساواه من خوخة كانت في بيته ، فإذا وجهه صورة وجه القرد ، وجسده على صورة الخنزير ، وإذا عيناه مشقوقتان طولا ، وإذا أسنانه وفمه مشقوق طولا عظما واحدا بلا ذقن ولا لحية ، (٢) وله أربعة أيد : يدان في صدره ويدان في منكبه ، وإذا عراقيبه قوادمه ، و أصابعه خلفه ، وعليه قباء وقد شد وسطه بمنطقة فيها خيوط معلقة بين أحمر (٣) وأصفر و أخضر وجميع الالوان ، وإذا بيده جرس عظيم ، وعلى رأسه بيضة ، وإذا في البيضة حديدة معلقة شبيهة بالكلاب ، (٤) فلما تأمله يحيى (ع) قال له : ماهذه المنطقة التي في وسطك؟ فقال : هذه المجوسية ، أنا الذي سننتها وزينتها لهم ، فقال له : ماهذه الخيوط الالوان؟ قال له : هذه جميع أصباغ النساء ، لاتزال المرأة تصبغ الصبغ حتى تقع مع لونها ، فأفتتن الناس بها ، فقال له : فما هذا الجرس الذي بيدك؟ قال : هذا مجمع كل لذة من طنبور و بربط ومعزفة وطبل وناي وصرناي ، (٥) وإن القوم ليجلسون على شرابهم فلا يستلذونه

__________________

(١) في المصدر : سليمان بن بلال المدني ولعله الصحيح وهو سليمان بن بلال التيمي ابوايوب وابومحمد المدني مولى ابي بكر ، المترجم في رجال الشيخ في اصحاب الصادق عليه‌السلام ، و اطراه العامة في كتبهم بالتوثيق والاتقان والصلاح ، توفى سنة ١٧٧ على مافي التقريب او ١٧٢ على ماحكى عن الذهبي.

(٢) في المصدر وفي نسخة : واذا عيناه مشقوقتان طولا وفمه مشقوق طولا ، واذا اسنانه و فمه عظم واحد بلا ذقن ولا لحية.

(٣) في المصدر : من بين احمر.

(٤) الكلاب بالفتح وتشديد اللام : حديدة معطوفة يعلق بها اللحم وغيره.

(٥) الناي : آلة من آلات الطرب ينفخ فيها ، والكلمة من الدخيل وكذا الصرناي.

١٧٢

فأحرك الجرس فيما بينهم فإذا سمعوه استخفهم (١) الطرب ، فمن بين من يرقص ومن بين من يفرقع أصابعه ، ومن بين من يشق ثيابه ، فقال له : وأي الاشياء أقر لعينك؟ قال النساء هن فخوخي ومصائدي ، فإني إذا اجتمعت علي دعوات الصالحين ولعناتهم صرت إلى النساء فطابت نفسي بهن ، فقال له يحيى عليه‌السلام : فما هذه البيضة التي على رأسك؟ قال : بها أتوقى دعوة المؤمنين ، قال : فما هذه الحديدة التي أرى فيها؟ قال : بهذه أقلب قلوب الصالحين.

قال يحيى (ع) : فهل ظفرت بي ساعة قط؟ قال : لا ، ولكن فيك خصلة تعجبني قال يحيى : فما هي؟ قال : أنت رجل أكول ، فإذا أفطرت أكلت وبشمت فيمنعك ذلك من بعض صلاتك وقيامك بالليل ، قال يحيى عليه‌السلام : فإني أعطي الله عهدا ألا أشبع (٢) من الطعام حتى ألقاه ، قال له إبليس : وأنا أعطي الله عهدا أني لا أنصح مسلما حتى ألقاه ثم خرج فما عاد إليه بعد ذلك. (٣)

بيان : الخوخة : كوة تؤدي الضوء إلى البيت. والعراقيب جمع العرقوب وهو عصب غليظ فوق عقب الانسان. وقال الفيروزآبادي : المعازف : الملاهي كالعود والطنبور ، والواحد عزف أو معزف كمنبر ومكنسة. وقال : البشم محركة : التخمة والسأمة ، بشم كفرح.

١٣ ـ فس : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : « ذكر رحمة ربك عبده زكريا » يقول : ذكر ربك زكريا فرحمه « إذ نادى ربه نداء خفيا * قال رب إني وهن العظم مني » يقول : ضعف « ولم أكن بدعائك رب شقيا » يقول : لم يكن دعائي خائبا عندك « وإني خفت الموالي من ورائي » يقول : خفت الورثة من بعدي « وكانت امرأتي عاقرا » ولم يكن لزكريا يومئذ ولد يقوم مقامه ويرثه ، وكانت هدايا بني إسرائيل و نذورهم للاحبار ، وكان زكريا رئيس الاحبار ، وكانت امرأة زكريا أخت مريم بنت

__________________

(١) اي اطربهم.

(٢) في المصدر : اني لا اشبع.

(٣) امالي ابن الطوسي : ٢١٦ ٢١٧.

١٧٣

عمران بن ماثان ويعقوب بن ماثان (١) وبنو ماثان إذ ذاك رؤساء بني إسرائيل وبنو ملوكهم وهم من ولد سليمان بن داود عليه‌السلام ، فقال زكريا : « فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا * يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا » يقول : لم يسم باسم يحيى أحد قبله « قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا » فهو البؤس (٢) « قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا * قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا » صحيحا من غير مرض. (٣)

بيان : قال الطبرسي رحمه الله : « ذكر رحمة ربك عبده زكريا » أي هذا خبر رحمة ربك زكريا عبده ، ويعني بالرحمة إجابته إياه حين دعاه وسأله الولد ، وزكريا اسم نبي من أنبياء بني إسرائيل ، كان من أولاد هارون بن عمران ، وقيل : معناه : ذكر ربك عبده بالرحمة « إذ نادى ربه نداء خفيا » أي سرا غير جهر لا يريد به رياء. (٤)

وقيل : إنما أخفاه لئلا يهزأ به الناس « قال رب إني وهن العظم مني » أي ضعف ، وإنما أضاف إلى العظم (٥) لانه مع صلابته إذا ضعف فكيف باللحم والعصب « واشتعل الرأس شيبا » أي أن الشيب قد عم الرأس « ولم أكن بدعائك رب شقيا » أي ولم أكن بدعائي إياك فيما مضى مخيبا محروما ، والمعنى أنك قد عودتني حسن الاجابة فلا تخيبني فيما أسألك (٦) « وإني خفت الموالي من ورائي » وهم الكلالة ، عن ابن

__________________

(١) المصدر ونسخة خاليان عن قوله : ويعقوب بن ماثان.

(٢) هكذا في نسخ ، وفي نسخة : اليؤس ، قلت : اي يائس ، ويحتمل كونه تصحيف اليأس كما يأتي في كلام المصنف ، ولعل المعنى : وقد بلغت من الكبر حالة آيس فيها من ان يتولد مني ولد. وفي المصدر : الميؤوس ، ويحتمل ان يكون الجميع مصحف اليبس كما يأتي في كلام الطبرسي.

(٣) تفسير القمي : ٤٠٨ ٤٠٩.

(٤) في المصدر : اي حين دعا ربه دعاء « خفيا » خافيا سرا غير جهر يخفيه في نفسه لا يريد به رياء.

(٥) في المصدر : وانما اضاف الوهن إلى العظم.

(٦) في المصدر : قد عودتني حسن الاجابة وما خيبتني فيما سألتك ، ولا حرمتني الاستجابة فيما دعوتك ولا تخيبني فيما اسألك.

١٧٤

عباس ، وقيل ، العصبة ، عن مجاهد ، وقيل : هم العمومة وبنو العم ، عن أبي جعفر (ع) ، و قيل بنو العم (١) وكانوا اشرار بني إسرائيل « وكانت امرأتي عاقرا » أي عقيما لاتلد « فهب لي من لدنك وليا » ولدا يليني ويكون أولى بميراثي « يرثني ويرث من آل يعقوب » وهو يعقوب بن ماثان ، (٢) وأخوه عمران بن ماثان أبومريم ، عن الكلبي ومقاتل ، وقيل : هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم « واجعله رب رضيا » أي مرضيا عندك ممتثلا لامرك فاستجاب الله دعاءه وأوحى إليه : « يازكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا » أي لم نسم قبله أحدا باسمه.

وقال أبوعبدالله (ع) : وكذلك الحسين عليه‌السلام لم يكن له من قبل سمي ، (٣) ولم تبك السماء إلا عليهما أربعين صباحا ، قيل له : وما بكاؤها؟ قال : كانت تطلع حمراء وتغيب حمراء ، وكان قاتل يحيى عليه‌السلام ولد زنا ، وقاتل الحسين عليه‌السلام ولد زنا.

وروى سفيان بن عيينة ، عن علي بن زيد ، عن علي بن الحسين عليهما‌السلام قال : خرجنا مع الحسين عليه‌السلام فما نزل منزلا ولا ارتحل منه إلا وذكر يحيى بن زكريا عليه‌السلام وقال يوما : من هو ان الدنيا على الله عزوجل أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.

وقيل : إن معنى قوله : « لم نجعل له من قبل سميا » لم تلد العواقر مثله ولدا ، وهو كقوله : « هل تعلم له سميا » أي مثلا ، عن ابن عباس ومجاهد « قال رب أنى يكون لي غلام و كانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عيتا » أي قد بلغت من كبر السن إلى حال اليبس

__________________

(١) اخرج البحراني في تفسيره عن كتاب محمد بن العباس باسناده عن محمد بن همام ، عن سهل بن محمد ، عن محمد بن اسماعيل العلوي ، عن سدير الصيرفي قال : حدثني أبوالحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : كنت عند أبي يوما قاعدا حتى اتى رجل فوقف به ، وقال : في القوم باقر العلوم ورئيسه محمد بن علي؟ قيل له : نعم ، فجلس طويلا ، ثم قام اليه فقال : يا ابن رسول الله اخبرني عن قول الله عزوجل في قصة زكريا : « واني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا » الاية ، قال : نعم ، قال : الموالى بنو العم واحب الله ان يهب له وليا من صلبه إلى ان قال : فاني مخرج من صلبك ولدا يرثك ويرث من آل يعقوب فوهب الله له يحيى عليه‌السلام.

(٢) في المصدر : « ماتان » بالتاء وكذا فيما بعده.

(٣) في المطبوع : سميا وهو وهم.

١٧٥

والجفاف ونحول العظم ، قال قتادة : كان له بضع وسبعون سنة (١) « قال كذلك » أي قال الله سبحانه : الامر على ما أخبرتك من هبة الولد على الكبر « قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل » أي من قبل يحيى « ولم تك شيئا » أي شيئا موجودا. (٢)

وروى الحكم بن عتيبة ، (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إنما ولد يحيى بعد البشارة له من الله بخمس سنين. « قال رب اجعل لي آية » وعلامة (٤) أستدل بها على وقت كونه ، قال الله سبحانه : « آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا » أي وأنت سوي صحيح سليم « فخرج على قومه من المحراب » أي من مصلاه « فأوحى إليهم » أي أشار إليهم وأومأ بيده ، وقيل : كتب لهم في الارض « أن سبحوا بكرة وعشيا » أي صلوا بكرة وعشيا ، وقيل : أراد التسبيح بعينه ، قال ابن جريح : أشرف عليهم زكريا عليه‌السلام من فوق غرفة كان يصلي فيها لايصعد إليها إلا بسلم ، وكانوا يصلون معه الفجر والعشاء ، فكان يخرج إليهم فيؤذن لهم (٥) بلسانه ، فلما اعتقل لسانه خرج على عادته وأذن لهم بغير كلام ، فعرفوا عند ذلك أنه قد جاء وقت حمل امرأته بيحيى ، فمكث ثلاثة أيام لايقدر على الكلام معهم ويقدر على التسبيح والدعاء ، ثم قال سبحانه : « يا يحيى خذ الكتاب بقوة » تقديره : فوهبنا له يحيى وأعطيناه الفهم والعقل وقلنا له : يايحيى خذ الكتاب ، يعني التوراة بما قواك الله عليه وأيدك به ، ومعناه : وأنت قادر على أخذه ، قوي على العمل ، (٦) وقيل : معناه : بجد وصحة عزيمة على القيام بما فيه « وآتيناه الحكم صبيا » أي وآتيناه النبوة في حال صباه وهو ابن ثلاث سنين ، عن ابن عباس.

وروى العياشي بإسناده عن علي بن أسباط قال : قدمت المدينة وأنا أريد مصر فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليهما‌السلام وهو إذ ذاك خماسي ، فجعلت أتأمله

__________________

(١) في المصدر : بضع وتسعون سنة.

(٢) في المصدر : اي انشأتك وأجدتك ولم تك شيئا موجودا.

(٣) في المصدر : الحكم بن عيينة وهو وهم.

(٤) في المصدر : اي دلالة وعلامة.

(٥) في المصدر : فيأذن لهم.

(٦) في المصدر : العمل به.

١٧٦

لاصفه لاصحابنا بمصر ، فنظر إلي فقال : ياعلي إن الله أخذ في الامامة كما أخذ في النبوة ، قال : « فلما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما » وقال : « وآتيناه الحكم صبيا » فقد يجوز أن يعطى الحكم ابن أربعين سنة ، ويجوز أن يعطاه الصبي.

وقيل : إن الحكم الفهم ، وعن معمر : قال : إن الصبيان قالوا ليحيى : اذهب بنا نلعب ، فقال : ماللعب خلقت ، فأنزل الله تعالى فيه : « وآتيناه الحكم صبيا » وروي ذلك عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام. « وحنانا من لدنا » والحنان : العطف والرحمة أي و آتيناه رحمة من عندنا ، وقيل : تحننا على العباد ورقة قلب عليهم ليدعوهم إلى طاعة الله ، وقيل : محبة منا ، وقيل تحنن الله عليه كان إذا قال : يارب قال له : لبيك يايحيى و هو المروي عن الباقر عليه‌السلام ، وقيل : تعطفا منا « وزكوة » أي وعملا صالحا زاكيا أو زكاة لمن قبل دينه حتى يكونوا أزكياء ، وقيل : يعني بالزكاة طاعة الله والاخلاص ، وقيل : وصدقة تصدق الله بها على أبويه ، وقيل : وزكيناه بحسن الثناء عليه « وكان تقيا » أي مخلصا مطيعا متقيا لما نهى الله عنه ، قالوا : وكان من تقواه أنه لم يعمل خطيئة ولم يهم بها « وبرا بوالديه » أي بارا بهما « ولم يكن جبارا » أي متكبرا متطاولا على الخلق « عصيا » أي عاصيا لربه « وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا » أي سلام عليه منا في هذه الاحوال ، (١) وقيل : سلامة وأمان له منا. انتهى ملخص تفسيره رحمه الله. (٢)

أقول : قول علي بن إبراهيم : ( ويعقوب بن ماثان ) إما عطف على زكريا ، أي كانت الرئاسة في ذلك الزمان لزكريا ويعقوب عم زوجته ، أو يعقوب مبتداء وابن ماثان خبره ، أي يعقوب الذي ذكره الله هو ابن ماثان لا ابن إسحاق ، أو هو مبتداء وبنو ماثان معطوف

__________________

(١) في المصدر : في هذه الايام. وفيه : ومعناه سلامة وامن له يوم ولد من عبث الشيطان به واغوائه اياه ، ويوم يموت من بلاء الدنيا ومن عذاب القبر ، ويوم يبعث حيا من هول المطلع و عذاب النار ، وانما قال : حيا تأكيدا لقوله : يبعث. وقيل : يبعث مع الشهداء لانهم وصفوا بانهم احياء. وقيل : ان السلام الاول يوم الولادة تفضل ، والثاني والثالث على وجه الثواب والجزاء.

(٢) مجمع البيان ٦ : ٥٠٢ ٥٠٣ و ٥٠٤ ٥٠٥ و ٥٠٦.

١٧٧

عليه ، وقوله : رؤساء خبرهما ، فيكون من قبيل عطف العام على الخاص. (١)

وقال البيضاوي : قيل : يعقوب كان أخا زكريا ، أو عمران بن ماثان (٢) من نسل سليمان انتهى. (٣)

وأما تفسيره العتي بالبؤس أو اليأس (٤) فلعله بيان لحاصل المعنى ولازمه. قال الجوهري : عتى الشيخ : كبر وولى. (٥)

١٤ ـ ج : سأل سعد بن عبدالله القائم (ع) عن تأويل « كهيعص » قال عليه‌السلام : هذه الحروف من أنباء الغيب أطلع الله عليها عبده زكريا ، ثم قصها على محمد (ص) ، وذلك أن زكريا سأل ربه أن يعلمه أسماء الخمسة ، فأهبط عليه جبرئيل عليه‌السلام فعلمه إياها فكان زكريا (ع) إذا ذكر محمدا (ص) وعليا وفاطمة والحسن عليهم‌السلام سري عنه همه وانجلى كربه ، واذا ذكر اسم الحسين (ع) خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة ، فقال عليه‌السلام ذات يوم : إلهي مابالي إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي؟ فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته فقال : « كهيعص » فالكاف اسم كربلا ، والهاء هلاك العترة ، والياء يزيد وهو ظالم الحسين عليه‌السلام ، والعين عطشه ، والصاد صبره ، فلما سمع ذلك زكريا عليه‌السلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيهن الناس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب وكان يرثيه : إلهي أتفجع (٦) خير جميع خلقك بولده؟ إلهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه؟ إلهي أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة؟ إلهي أتحل كربة هذه المصيبة بساحتهما؟.

ثم كان يقول : إلهي ارزقني ولدا تقر به عيني على الكبر فإذا رزقتينه فافتني

__________________

(١) ولعله أظهر : فيكون المعنى أن رئاسة الدين والاحبار كانت لزكريا عليه‌السلام ، ورئاسة الدنيا والملك ليعقوب بن ماثان وبني ماثان.

(٢) في المصدر : أو كان أخا عمران بن ماثان.

(٣) انوار التنزيل ٢ : ٣١.

(٤) في نسخة : اليؤس.

(٥) من ولى الرطب : أخذ في الهيج اي اليبس.

(٦) فجعه : أوجعه باعدامه مايتعلق به من اهل أو مال.

١٧٨

بحبه ، ثم افجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده. فرزقه الله يحيى وفجعه به ، وكان حمل يحيى عليه‌السلام ستة أشهر ، وحمل الحسين عليه‌السلام كذلك ، الخبر. (١)

بيان : سري عنه الهم على بناء التفعيل مجهولا : انكشف والبهرة بالضم : تتابع النفس وانقطاعه من الاعياء. وزفر : أخرج نفسه بعد مده إياه.

١٥ ـ ع : بالاسناد إلى وهب قال : انطلق إبليس يستقري (٢) مجالس بني إسرائيل أجمع مايكونون ، ويقول في مريم ويقذفها بزكريا عليه‌السلام حتى التحم الشر (٣) وشاعت الفاحشة على زكريا عليه‌السلام ، فلما رأى زكريا عليه‌السلام ذلك هرب وأتبعه سفهاؤهم و شرارهم وسلك في واد كثير النبت حتى إذا توسطه انفرج له جذع شجرة فدخل عليه‌السلام فيه وانطبقت عليه الشجرة ، وأقبل إبليس يطلبه معهم حتى انتهى إلى الشجرة التي دخل فيها زكريا عليه‌السلام ، فقاس لهم إبليس الشجرة من أسفلها إلى أعلاها حتى إذا وضع يده على موضع القلب من زكريا عليه‌السلام أمرهم فنشروا بمنشارهم وقطعوا الشجرة وقطعوه في وسطها ، ثم تفرقوا عنه وتركوه ، وغاب عنهم إبليس حين فرغ مما أراد ، فكان آخر العهد منهم به ، ولم يصب زكريا عليه‌السلام من ألم المنشار شئ ، ثم بعث الله عزوجل الملائكة فغسلوا زكريا وصلوا عليه ثلاثة أيام من قبل أن يدفن ، وكذلك الانبياء عليهم‌السلام لا يتغيرون ولا يأكلهم التراب ويصلى عليهم ثلاثة أيام ثم يدفنون. (٤)

١٦ ـ ك : القطان ، عن السكري ، عن الجوهري ، عن ابن عمارة ، عن أبيه ، عن الصادق (ع) قال : أفضي الامر بعد دانيال (ع) إلى عزير عليه‌السلام ، وكانوا يجتمعون إليه ويأنسون به ويأخذون عنه معالم دينهم ، فغيب الله عنهم شخصه مائة عام ثم بعثه ، وغابت الحجج بعده واشتدت البلوى على بني إسرائيل حتى ولد يحيى بن زكريا عليه‌السلام وترعرع فظهر وله سبع سنين ، فقام في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ، وذكرهم بأيام

__________________

(١) احتجاج الطبرسي : ٢٥٩.

(٢) أي يتبعها ويطوف فيها.

(٣) التحم الشئ : التصق وتلاءم. التحمت الحرب بينهم : اشتبكت.

(٤) علل الشرائع : ٣٨.

١٧٩

الله ، وأخبرهم أن محن الصالحين إنما كانت لذنوب بني إسرائيل ، وأن العاقبة للمتقين ، ووعدهم الفرج بقيام المسيح عليه‌السلام بعد نيف وعشرين سنة من هذا القول. (١)

أقول : تمامه في باب قصة طالوت.

١٧ ـ ص : الصدوق ، عن أبيه ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر (ع) قال : لما ولد يحيى عليه‌السلام رفع إلى السماء فغذي بأنهار الجنة حتى فطم ، ثم نزل إلى أبيه وكان البيت يضئ بنوره. (٢)

١٨ ـ ص : بهذا الاسناد ، عن ابن أبي عمير ، عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : دعا زكريا عليه‌السلام ربه فقال : « هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب » فبشره الله تعالى بيحيى فلم يعلم أن ذلك الكلام من عند الله تعالى جل ذكره ، وخاف أن يكون من الشيطان ، فقال : « أنى يكون لي ولد » وقال : « رب اجعل لي آية » فأسكت فعلم أنه من الله تعالى. (٣)

١٩ ـ تفسير النعماني بإسناده عن الصادق عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين (ع) حين سألوه عن معنى الوحي فقال : منه وحي النبوة ، ومنه وحي الالهام ، ومنه وحي الاشارة وساقه إلى أن قال : وأما وحي الاشارة فقوله عزوجل : « فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا » أي أشار إليهم ، لقوله (٤) تعالى : « ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ». (٥)

٢٠ ـ ص : بالاسناد إلى الصدوق ، عن ماجيلويه ، عن عمه ، عن الكوفي ، عن عبدالله ابن محمد الحجال ، عن أبي إسحاق ، عن عبدالله بن هلال ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن ملكا كان على عهد يحيى بن زكريا عليه‌السلام لم يكفه ما كان عليه من الطروقة حتى تناول امرأة بغيا فكانت تأتيه حتى أسنت ، فلما أسنت هيأت ابنتها ، ثم قالت لها : إني أريد أن آتي بك الملك ، فإذا واقعك فيسألك ما حاجتك (٦) فقولي : حاجتي أن تقتل يحيى بن

__________________

(١) اكمال الدين : ٩١ و ٩٥.

(٢ و ٣) قصص الانبياء مخطوط. قوله : ( فاسكت ) أي اعتقل لسانه وحبس عن الكلام.

(٤) كذا في المصدر ، وفي النسخ « كقوله » وهو سهو.

(٥) المحكم والمتشابه : ٢١.

(٦) فيه اجمال أو سقط يأتي شرحه بعد ذلك.

١٨٠