استصحاب الكرّية بمفاد كان الناقصة لا بمفاد كان التامّة ، فتسالمهم على المسامحة في مفاد كان الناقصة لا دخل له بالمسامحة بالوجوب بمفاد كان التامّة.
نعم يمكن أن يقاس عليه الوجوب بمفاد كان الناقصة ، لكنّك قد عرفت فيما أفاده شيخنا قدسسره أنّ القياس لا وجه له.
ومن بيان الاحتياج إلى المسامحة في نفس الوجوب على التوجيه الثالث ، يظهر لك أنّه لو لم يبق إلاّ القليل من أجزاء المركّب ، يكون الوجه الثالث مشاركاً للوجه الثاني في عدم الجريان ، حيث إنّ العرف كما لا يرى الاتّحاد بين هذا القليل من الأجزاء وبين تمام المركّب ، فكذلك لا يرى الاتّحاد بين الوجوب الوارد على هذا القليل وبين الوجوب المنبسط على تمام المركّب ، فلا يتمّ قوله قدسسره : وتظهر فائدة مخالفة التوجيهات فيما إذا لم يبق إلاّ القليل من أجزاء المركّب ، فإنّه يجري التوجيه الأوّل والثالث دون الثاني (١) فلاحظ.
ثمّ لا يخفى أنّا لو شككنا في أنّ الكرّ هل هو ما كان كلّ من طوله وعرضه وعمقه ثلاثة أشبار ، أو أنّه ما كان كلّ من طوله وعرضه وعمقه ثلاثة أشبار ونصف وكان لنا ماء واجداً للحدّ الثاني ، ثمّ أخذنا منه إلى أن بلغ إلى الحدّ الأوّل الذي هو الحدّ الأقل ، لم يمكن القول باستصحاب الكرّية ، سواء كان بمفاد كان التامّة أو بمفاد كان الناقصة.
والظاهر أنّ ما نحن فيه من هذا القبيل ، لأنّ وجوبنا السابق لم نعلم كيفيته على نحو الشبهة الحكمية ، وهل هو محدود بالخامس ومقيّد به بقول مطلق ، أو أنّ قيدية الخامس مقصورة على حال التمكّن منه ، فلا يحسن قياسه بالشكّ في بقاء الكرّية على نحو الشبهة الموضوعية ، وإنّما يصحّ قياسه بالمثال المذكور الذي
__________________
(١) فرائد الأُصول ٣ : ٢٨١.