وإن شئت قلت : إنّ السفر وعدم الحضر المتأخّر عن الاقدام على إعدام الامساك بما يكون إعدامه من ناحيته ممنوعاً عنه وإن أوجب عدم الصوم لو خلي ونفسه ولم يكن مسبوقاً باعدامه من الجهة الممنوعة ، إلاّ أنّه لمّا كان مسبوقاً بذلك لم يكن له أثراً أصلاً ، هذا مضافاً إلى ما عرفت من أنّه لم يكن الانعدام مستنداً إليه بل قد عرفت أنّ الانعدام من ناحية عدم الحضر لا يكون ممنوعاً عنه. وعلى أي حال ، لا يكون لذلك السفر أثر ، ولا يكشف عن عدم تحقّق الوجوب فيما مضى ، بل لو لم يكن مسبوقاً بالافطار الاختياري لكان الوجوب متحقّقاً ، غايته أنّه لا يكون سادّاً لباب عدم الامساك الناشئ عن عدم الحضر. وعلى أي حال ، لا يكون هذا الوجوب مشروطاً بالحضر ولا بحكم ما هو مشروط به.
ومن ذلك يظهر لك أنّه لو قرّبنا وجوب الكفّارة بهذا التقريب ، أعني كون معنى وجوب الامساك عن حضر راجعاً إلى سدّ أبواب عدمه غير العدم الآتي من ناحية عدم الحضر ، أو قرّبناه بما تقدّم نقله عن صاحب الكفاية قدسسره في الواجب المشروط ليكون معنى التقييد بالحضر هو أنّ الوجوب تعلّق بالامساك الذي اتّفق معه وجود الحضر ، لتمّ وجوب الكفّارة فيما نحن فيه. ولا يرد عليه ما أفاده سلّمه الله بقوله : هذا ولكن سيأتي في فصل شرائط وجوب الصوم ـ إلى قوله ـ فيكون التكليف بالصوم كالمنوط بعدمه ، فلا يثبت إلاّفي ظرف عدمه من باب الاتّفاق الخ (١). والظاهر منه اختيار مسلك الكفاية ، وقد عرفت أنّه بناءً عليه لا يرجع الوجوب إلى الوجوب المشروط.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ مسلك الكفاية راجع إلى الوجوب المشروط أو هو بحكمه ، باعتبار أنّ تعلّق الوجوب بالامساك المقيّد باتّفاق تحقّق الحضر عبارة
__________________
(١) مستمسك العروة الوثقى ٨ : ٣٦٠.