الأزماني ، ومجرّد الحكم على الوجوب المذكور بأنّه باقٍ غير محدود ولا منسوخ ، لا يرفع سقوطه بالامتثال آناً ما ، كما لو حكمنا على وجوب إكرام العلماء بأنّه باقٍ غير محدود بأمد مصلحته ولا منسوخ بناسخ لا يكون منافياً لسقوطه بإكرام العالم آناً ما ، فإنّ الحكم على الوجوب المذكور بالبقاء بالمعنى المزبور لا يكون موجباً للتصرّف فيه ، والخروج به عمّا يقتضيه تجرّده وتجرّد متعلّقه عن العموم الأزماني ، إلاّ أن يكون معنى البقاء هو وجود وجوب ثانٍ في الزمان الثاني بعد سقوط الوجوب الأوّل في الزمان الأوّل بالاتيان بمتعلّقه فيه ، وذلك عبارة أُخرى عن كون الوجوب موجوداً في كلّ آن ، الراجع إلى جعل وجوبات متعدّدة حسب تعدّد الآنات يكون لكلّ منها إطاعة وعصيان خاصّ به ، فيعود حينئذ المحذور السابق في العموم الأزماني المأخوذ في ناحية الحكم ، من عدم تأخّره عن الحكم ، وعدم كونه فوقه ، وإمكان جعله في ضمن جعل أصل الوجوب ، إلى غير ذلك من الإشكالات التي قدّمناها في المباحث السابقة ، هذا.
ولكن ينبغي التأمّل في هذا المبحث من ناحية أُخرى شرحناها في آخر مباحث العموم والخصوص (١) في المبحث المتعرّض لكون النسخ من قبيل الرفع أو الدفع ، وأنّه عند الدوران بين النسخ والتخصيص ما هو المقدّم ، فإنّ ما جرينا عليه في هذه المقامات وإن كان كلّه مبنياً على كون النسخ رفعاً ، إلاّ أنّ فيه إشكالاً أشرنا إليه في ذلك المبحث ، وهو أنّ الحكم في مقام الثبوت إمّا أن يكون محدوداً لكون مصلحته كذلك ، وإمّا أن لا يكون محدوداً لكون مصلحته أيضاً كذلك ، ولا يتصوّر فيه الإهمال من هذه الجهة بعد أن فرضنا إمكان أخذ العموم الأزماني في ناحيته ، وعلى كلّ من هاتين الصورتين لا مورد للنسخ ، وحينئذ ينحصر مورده
__________________
(١) راجع المجلّد الخامس من هذا الكتاب ، الصفحة : ٣٨٩.