أن يكون لنا أحكام قد دلّت الأدلّة على تحقّقها وثبوتها في كلّ آن ، ولا أقل ممّا يدلّ على بقائها ودوامها واستمرارها. وإنّي فعلاً وإن لم أستحضر له مثالاً فقهياً ، إلاّ أنّه لو كان الأمر كذلك ، بأن كان لنا حكم شرعي يتعلّق بعام أفرادي ، وقام دليل آخر متّصل أو منفصل يدلّ على كون ذلك الحكم باقياً ومستمرّاً وموجوداً في كلّ آن ، ماذا يكون المرجع في مورد الشكّ؟ هل هو عموم العام الأزماني أو هو استصحاب حكم المخصّص؟
ثمّ إنّ كون دليل الحكمة لا يفيد العموم الأزماني قابل للتشكيك ، حيث إنّه كسائر الأدلّة العقلية التي يكون حكمها حكم التقييد المنفصل.
وبالجملة : إنّ لغوية الحكم الآني وقبح صدوره من الحكيم يكون دليلاً على أنّ الشارع جعله عاماً لجميع الأزمنة ، بحيث كان ذلك الحكم مجعولاً في كلّ آن ، وهذا المقدار كافٍ في التمسّك لإزالة الشكّ.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ هذا المقدار إنّما يطرد احتمال سقوط وجوب الوفاء بتحقّق الوفاء آناً ما ، وأمّا احتمال عدم وجوب الوفاء به بعد فرض الحكم بعدم وجوب الوفاء به في الآن الأوّل ، فلا يكون الدليل المذكور وافياً به ، لاحتمال عدم وجوب الوفاء به في جميع الأزمنة ، إذ لا يكون حينئذ في البين لغوية أصلاً.
وحينئذ ندفع الإشكال والشكّ المزبور بطريق آخر هو نظير الطريق الذي ذكرناه مع فرض وجود الدليل على العموم الأزماني ، وذلك بإعمال كلّ من الدليل اللفظي المشتمل على العموم الأفرادي وهو وجوب الوفاء في الجملة بكلّ عقد ، والدليل العقلي المانع من كون ذلك الوجوب آنياً ، بأن نقول لو كان هذا العقد لا يجب الوفاء به في جميع الأزمنة لكان خارجاً عن العموم الأفرادي لكلّ عقد ، فأصالة العموم الأفرادي تحكم بأنّه داخل تحت عموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) فيكون