حتّى لو كان لسان الدليل الثاني بالصورة السابقة ، وهي أنّ الوجوب ثابت في كلّ آن ، حيث إنّ كلّ آن وإن كان ظرفاً للوجوب ، إلاّ أنّه يكون بمنزلة المحكوم عليه ، حيث إنّ كلّ متعلّق للفعل من ظرف أو مفعول به ونحوهما يكون بمنزلة المخبر عنه ، فإذا قيل : يجب يوم الخميس ـ مثلاً ـ إكرام زيد ، كان ذلك بمنزلة قولك : إنّ يوم الخميس يجب فيه إكرام زيد ، وحينئذ فقولنا : الوجوب موجود في كلّ آن ، بمنزلة قولنا : إنّ كلّ آن من الآنات يتحقّق فيه الوجوب.
وبالجملة : أنّ المتمسّك به هو عموم « كلّ آن » باعتبار وقوع الوجوب فيه ، سواء كان بصورة الظرف أو كان بصورة المبتدأ ، ولا نحتاج إلى التمسّك بعموم الوجوب المحكوم عليه بأنّه موجود في كلّ آن كي يقال إنّ هذه القضية لا تتكفّل بإحراز هذا الموضوع.
وإن شئت الاختصار فقل : إنّ كلّ عنوان موجود في عالم الجملة المشتملة على الحكم كالوجوب في مثل أكرم العلماء ، من نفس الاكرام ونفس العلماء والمكان والزمان ونحو ذلك ممّا له دخل وربط وتعلّق بذلك الحكم الذي تضمّنته تلك الجملة ، لو فرضناه عاماً ، كان صالحاً لأن نأخذه مبتدأ بإضافة لفظ « كل » إليه ونخبر عنه بباقي الجملة ، فإن كان الإكرام عاماً قيل : إنّ كلّ إكرام للعلماء واجب ، وإن كان العالم عاماً قيل : إنّ كلّ عالم واجب الإكرام ، وإن كان المكان عاماً قيل : إنّ كلّ مكان يجب فيه إكرام العالم ، وإن كان الزمان عاماً قيل : إنّ كلّ زمان يجب إكرام العالم فيه ، هذا إن أخذنا الزمان ظرفاً للإكرام. وإن أخذناه ظرفاً لنفس الوجوب قيل : إنّ كلّ زمان يجب فيه إكرام العالم بمعنى أنّ كلّ زمان يتحقّق فيه وجوب الإكرام ، وهذا هو محصّل العموم الأزماني لو أخذناه في ناحية الوجوب ، وحينئذ فأيّ زمانٍ نفرض الشكّ في وجود الوجوب فيه ، نتمسّك فيه بهذا العموم القائل