محتاجين إلى الاستصحاب ، بل من جهة أنّ العرف يرى اتّحاد القضية المتيقّنة مع القضية المشكوكة ، بحيث إنّ رفع اليد عن المتيقّن السابق الذي هو كون غليان ذلك العصير موجباً لحرمته لأجل طروّ الزبيبية عليه يعد بحسب نظرهم نقضاً لليقين السابق.
لكن يرد على التقريب المذكور ما أُفيد من كون ذلك المتيقّن السابق عقلياً صرفاً ، فإنّ كون غليان ذلك العصير العنبي موجباً لحرمته ليس بحكم شرعي ، وإنّما هو أمر عقلي منتزع من كون العصير العنبي أحد جزأي موضوع الحكم بالحرمة والنجاسة ، وهو العصير العنبي الغالي.
أمّا ما أُفيد من الايراد عليه ثانياً بأنّه مقطوع ، فالظاهر أنّه غير متوجّه عليه ، لأنّ ذلك المعنى الذي يراد استصحابه لا يكون مقطوع البقاء ، للشكّ في بقائه بواسطة الشكّ في مدخلية العنبية فيه ، وهذا بخلاف صحّة الأجزاء السابقة ، فإنّها إن أُخذت بمعنى أنّه لو انضمّ إليها باقي الأجزاء لأسقطت الأمر لكانت باقية حتّى في حال الشكّ ، أمّا كون غليان ذلك العصير موجباً للحرمة فبقاؤه بعد الانقلاب إلى الزبيبية مشكوك ، لاحتمال مدخلية العنبية في ذلك ، فلو أغضينا النظر عن كون ذلك المعنى عقلياً لا شرعياً ، لم يكن مانع من استصحابه.
ومن ذلك يظهر لك التأمّل فيما أُفيد بقوله : وهذه القضية التعليقية ـ مضافاً إلى أنّها عقلية لأنّها لازم جعل الحكم على الموضوع المركّب الذي وجد أحد جزأيه ـ مقطوعة البقاء لا معنى لاستصحابها الخ (١) فإنّ المستصحب إن كان هو نفس الحرمة التعليقية الشرعية الكلّية لم يرد عليه سوى أنّها مقطوعة البقاء ، إذ لا يمكن الشكّ في بقائها إلاّمن ناحية الشكّ في النسخ ، وإن كان المستصحب هو
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٤٦٩.