الثاني فلاحظ.
ولا يخفى أن الحسن الفعلي أو الفاعلي إنّما هو في العباديات دون التوصليات ، إذ لا يعتبر فيها إلاّ المصلحة وليست هي متقومة بالقصد ، بل إن أصل اعتبار القصد إنما يتم في العباديات ، إذ لا إشكال في اعتباره فيها ، أما التوصليات فانما يظهر الكلام فيها فيما لم يكن مذهبا للموضوع كتطهير الثوب ونحوه على وجه لو قلنا باعتبار القصد ووقعت من المكلف بلا قصد كان اللازم عليه الاعادة ، وفعلا لا أتخطّر مثالا لذلك ليظهر الأثر فيه.
وبالجملة : لا أثر لهذا النزاع إلاّ أن يقال : إن التوصلي وإن لم يكن قابلا للاعادة إلاّ أنا لو قلنا باعتبار القصد فيه كان ترك القصد فيه نظير ترك الواجب الذي لا قضاء له في أنه لا أثر له إلاّ العصيان ، ولكن مع هذا التكلف لا يتم ، إذ لا يعقل أن يكون ترك القصد مولدا للعصيان لعدم كونه اختياريا. فالأولى إسقاط هذا الأمر الثاني كما أن الأولى إسقاط الأمر الثالث لعدم الأثر في العباديات ، أما التوصليات فلا يكون فيها ما هو مأمور به ومنهي عنه ، وفي التركيب الانضمامي لا يكون في البين ما يوجب فساد المأمور به التوصلي كما سيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى (١).
ثم لا يخفى أن محل البحث إنما هو في اعتبار كون الفعل مرادا في قبال كونه واقعا منه سهوا أو نوما أو قهرا عليه على وجه لا تتعلق به إرادته كما لو حمل واخرج في مسألة التفرق عن مجلس البيع ، وليس هو في قبال الفعل الممتنع على المكلف أعني ما لا يكون مقدورا للمكلف ، وحينئذ فلو التزمنا بأنّ الفعل المأمور به لا بد أن يكون حسنا في نفسه ، ولا بد أن يكون
__________________
(١) في صفحة : ٣٨٥.