أشهد أنّك جاهدت في الله حقّ جهاده ،
وعملت بكتابه ، واتّبعت سنن نبيّه صلىاللهعليهوآله
، حتى دعاك الله إلى جواره ، فقبضك إليه باختياره ، لك كريم ثوابه ، وألزم أعداءك
الحجّة [ في قتلهم ايّاك ] مع ما لك من الحجج البالغة على جميـع خلقه.
وعن أنس بن مالك ـ كما في العقد الفريد
وغيره ـ قال : لمّا فرغنا من دفن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
[ أقبلت عليّ فاطمة فقالت : يا أنس ، كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على وجه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم التراب؟ ثمّ
بكت ونادت : يا أبتاه أجاب ربّاً دعاه ، يا أبتاه مِن ربّه ما أدناه ، يا أبتاه
إلى جبرئيل ننعاه ، يا أبتاه جنّة الفردوس مأواه.
ولو أردنا أن نستوفي ما كان من هذا
القبيل لخرجنا عن الغرض المقصود ، وحاصله أن تأبين الموتى من أهل الآثار النافعة
بنشر مناقبهم ، وذكر مصائبهم ، ممّا حكم بحسنه العقل والنقل ، واستمرت عليه سيرة
السلف والخلف ، وأوجبته قواعد المدنية ، واقتضته اصول الترقي في المعارف ، إذ به
تحفظ الآثار النافعة ، وبالتنافس فيه تعرج الخطباء إلى أوج البلاغة ، والقول
بتحريمه يستلزم تحريم قراءة التاريخ وعلم الرجال ، بل يستوجب المنع من تلاوة
الكتاب والسنّة لاشتمالها على جملة من مناقب الأنبياء ومصائبهم ، ومن يرضى لنفسه
هذا الحمق ، أو يختار لها هذا العمى ، نعوذ بالله من سفه الجاهلين.
__________________