ولكن لابد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه ، لان من نفاه أنكره ودفع ربوبيته وأبطله ، ومن شبهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين الذين لايستحقون الربوبية ، ولكن لابد من إثبات ذات بلا كيفية لايستحقها غيره(١) لايشارك فيها ولايحاط بها ولايعلمها غيره.
قال السائل : فيعاني الاشياء بنفسه؟(٢) قال أبوعبدالله عليهالسلام : هو أجل من أن يعاني الاشياء(٣) بمباشرة ومعالجة ، لان ذلك صفة المخلوق الذي لاتجئ الاشياء إليه(٤) إلا بالمباشرة والمعالجة ، وهو تعالى نافذ الارادة والمشية ، فعال لمايشاء. قال السائل : فله رضى وسخط؟ قال أبوعبدالله عليهالسلام : نعم ، وليس ذلك على ما يوجد في المخلوقين ، وذلك أن الرضى والسخط دخال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال ، وذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين ، (٥) وهو تبارك وتعالى العزيز الرحيم لاحاجة به إلى شئ مما خلق ، وخلقه جميعا محتاجون إليه ، وإنما خلق الاشياء من غير حاجة ولا سبب اختراعا وابتداعا.
قال السائل : فقوله : « الرحمن على العرش استوى »؟ قال أبوعبدالله عليهالسلام : بذلك وصف نفسه ، وكذلك هو مستول عى العرش ، بائن من خلقه ، من غيرأن يكون العرش حاملا له ، ولا أن يكون العرش حاويا له ، ولا أن العرش محتازله ، ولكنا نقول : هو حامل العرش ، وممسك العرش ، ونقول من ذلك ماقال : « وسع كرسيه السموات والارض » فثبتنا من العرش والكرسي ماثبته ، ونفينا أن يكون العرش أو الكرسي
__________________
(١) الضمير في لا يستحقها راجعة إلى الذات ، وفى الكافى : ولابد من اثبات أن له كيفية لا يستحقها غيره.
(٢) عانى الشئ : قاساه وعالجه. وفى نسخة من الكتاب والمصدر : فيعاين الاشياء بنفسه.
(٣) في نسخة من الكتاب والمصدر : هوأجل من أن يعاين الاشياء بمباشرة ومعالجة.
(٤) في المصدر والكافى : لاتجئ الاشياء له.
(٥) في الكافى : وذلك أن الرضا حال تدخل عليه فتنقله من حال ، لان المخلوق أجوف معتمل مركب ، للاشياء فيه مدخل ، وخالقنا لامدخل للاشياء فيه لانه واحدواحدى الذات واحدى المعنى ، فرضاه ثوابه وسخطه عقابه ، من غير شئ يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلى حال ، لان ذلك من صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين.