قال السائل : فقد حددته إذ أثبت وجوده ، قال أبوعبدالله عليهالسلام : لم احدده ولكن أثبته ، إذلم يكن بين الاثبات والنفي منزلة.
قال السائل : فله إنية ومائية؟ قال : نعم لايثبت الشئ إلا بإنية ومائية.(١)
قال السائل : فله كيفية؟(٢) قال : لا ، لان الكيفية جهة الصفة والاحاطة ،
__________________
(١) قال المصنف في مرآة العقول ١ : ٦٠ قوله : « فله إنية ومائية » أى وجود منتزع وحقيقة ينتزع منها الوجود؟ فأجاب وقال : نعم لايثبت الشئ أى لايكون موجودا الابانية ومائية ، أى مع وجود حقيقة ينتزع الوجود منها. وقال بعض المحققين : وينبغى أن يعلم ان الوجود يطلق على المنتزع المخلوط بالحقيقة العينية عينا وعلى مصحح الانتزاع ، والمنتزع غير الحقيقة في كل موجود والمصحح في الاول تعالى حقيقة العينية وإن دلنا عليه غيره ، والمصحح في غيره تعالى مغاير للحقيقة والمهية ، فالمعنى الاول مشترك بين الموجودات كلها ، والمعنى الثانى في الواجب عين الحقيقة الواجبة ، والمرادهنا المعنى الاول لاشعار السؤال بالمغايرة وكذا الجواب ، لقوله : « لايثبت الشئ إلا بانية ومائية » حيث جعل الكل مشتركا فيه ، والمشترك فيه انية مغايرة للمائية. وقال بعضهم : قوله : « فله انية ومائية » أى اذا ثبت ان هذا المفهوم العام المشترك المتصورفى الذهن خارج عن وجوده الخاص وذاته فاذن له انية مخصوصة ومائية غير مطلق الوجود هو بهاهو ، فقال عليهالسلام : نعم لايوجد الشئ الا بنحو خاص من الوجود والمائية ، لابمجرد الامر الاعم. واعلم ان للماهية معنيين : احدهما ما بازاء الوجود كما يقال : وجود الممكن زائد على ماهيته ، والماهية بهذا المعنى مما يعرضه العموم والاشتراك ، فليست له تعالى ماهية بهذا المعنى ، وثاينهما ما به الشئ هو هو ، وهذا يصح له.
(٢) سأل ذلك لما رأى في الشاهد كل ماله انية ومائية فله كيفية ، فاجاب بنفى الكيفية عنه تعالى بانها صفة كمالية متقررة زائدة على ذات ما اتصف بها ، والبارئ جل شانه مستغن بذاته عن كمال زائد ، ووصف الكيفية بالاحاطة لانها مما تغشى الذات الموصوفة بها كالبياض للجسم ، والنور للارض ، والعلم للنفس ، والظاهر أنه سأل عن الكيفيات الجسمانية ، أو عن مطلق الصفات الزائدة ، ولما نفى عليهالسلام جهة الكيفية والصفة الزائدة عنه وعلم أن ههنا مزلة الاقدام قال : لابد من الخروج من جهة التعطيل وهو نفى الصفات بالكلية والوقوع في طرف سلوب هذه الاوصاف الالهية ونقائضها ، ومن جهة التشبيه وهو جعل صفاتها كصفات المخلوقين ، لان من نفى عنه معانى الصفات فقد أنكر وجود ذاته وعلمه وقدرته وارادته وسمعه وبصره ، ورفع ربوبيته وكونه ربا ومبدعاصا نعاقيوما الها خالقا رازقا ، ومن شبهه بغيره بأن زعم ان وجوده كوجود غيره وعلمه كعلمهم وقدرته كقدرتهم فقد أثبته بصفة المخلوقين الذين لايستحقون الربوبية ، ولكن لابدان يثبت له علم لايماثل شيئا من العلوم ، وهكذا في سائر الصفات الوجودية ، وهذا هو المراد بقوله : له كيفية لايستحقها غيره ، والا فليس شئ من صفاته من مقولة الكيف التى هى من الاجناس ، حتى يلزم أن تكون صفته التى هى عين ذاته مركبة من جنس وفصل ، فتكون ذاته مركبة كما قيل. وقال بعض المحققين في قوله : « لان الكيفية جهة الصفة والاحاطة » : أى الكيفية حال الشئ باعتبار الاتصاف بالصفة والانحفاظ والتحصيل بها ، لان الاتصاف فعلية من القوة ، فهو بين الفعلية بالصفة الموجودة أو بعدمها ، وهو في ذاته بين بين خال من الفعليتين ، ففعلية وجوده وتحصله محفوظة بالكيفية ، ولا بدله من مهية اخرى ، فاذا هو مؤتلف مصنوع تعالى عن ذلك. قاله المصنف في مرآة العقول.