وقدمرمنا القول في بيان اختلاف مذاهبهم وتطبيق الخبر عليها في كتاب التوحيد.(١)
قوله عليهالسلام : « أتاهم بزمزمة » الزمزمة : الصوت البعيد له دوي ، والمراد أنه أتاهم بكلام غير مفهوم بعيد عن الاذهان مبائن للحق. قوله عليهالسلام : « فرقا بينهما » لما كانت الميتة نوعين : إحداهما ما اخل فيها بأصل الذبح ، والثانية ما اخل فيها بشرائط الذبح فأشار عليهالسلام إلى الثانية بقوله : « فرقا بينها » والحاصل أن الحكمة فيه غرض يتعلق بأديان الناس لابأبدانهم ، وأشار إلى الاولى بقوله : « والميتة قد جمد فيها الدم » وتنفس البدن كناية عن العرق.
قوله عليهالسلام : « إن من خرج من بطن امه أمس » حاصله أن الانبياء يخبرون الناس بما كان وما يكون ، فلوكان كما زعمه السائل أنى لهم علم ذلك؟. قوله : « فما ليس بشئ لايقدر على أن يخلق شيئا وهوليس بشئ » هذا إبطال للشق الاول و هو أن يكون خلق نفسه ، وهو مبني على ما يحكم به العقل من تقدم العلة على المعلول بالوجود ، ولما كان الشق الثاني متضمنا لماهو المطلوب وهو كون الصانع سوى هذه الممكنات الحادثة ، ولما هو غير المطلوب وهوكون صانعه مثله في الحدوث أبطل هذا بقوله : « وكذلك مالم يكن فيكون » أي لايمكن أن يكون صانعه شيئا لم يكن فوجد ، وهو بحيث إذا سئل لايعلم كيف ابتدأ نفسه ، لان الممكن الذي اكتسب الوجود من غيره وهو في معرض الزوال لايتأتى منه إيجاد غيره.
ويحتمل أن يكون ضمير « ابتداؤه » راجعا إلى المعلول ، أي كيف يكون إنسان موجد الانسان آخر مع أنه إذا سئل لايعلم كيف كان ابتداء خلق هذا الآخر ، ويحتمل أن يكون على الوجه الاول دليلا آخر على إبطال الشق الاول ، أي لايكون الانسان موجدا لنفسه وإلا لكان يعلم ابتداء خلقه. وقوله : « مع أنالم نجد » دليل آخر على إبطال ماسبق ، مبنيا على مايحكم به العقل من أن التركيب والتأليف يوجب الاحتياج إلى المؤثر.
ثم قال : فلوقيل : إن خالق الابن هو الاب ننقل الكلام إلى الاب حتى
__________________
(١) راجع ج ٣ : ٢١١ ـ ٢١٩.