لاتقف. ثم قال : وإن كل نجم منها موكل مدبر(١) فهي بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين ، فلو كانت قديمة أزلية لم تتغير من حال. إلى حال. قال : فمن قال : بالطبائع؟(٢) قال : من لم يملك البقاء ولاصرف الحوادث وغيرته الايام والليالي لايرد الهرم ولا يدفع الاجل ما تصنع به؟(٣)
قال : فأخبرني عمن زعم أن الخلق لم يزل يتناسلون ويتوالدون ، ويذهب قرن ويجئ قرن ، تفنيهم الامراض والاعراض وصنوف الآفات ، يخبرك الآخرعن الاول وينبئك الخلف عن السلف والقرون عن القرون أنهم وجدوا الخلق على هذا الوصف بمنزلة الشجر والنبات ، في كل دهر يخرج منه حكيم عليم بمصلحة الناس بصير بتأليف الكلام ويصنف كتاباقد حبره بفطنته ، وحسنه بحكمته ، قدجعله حاجزا بين الناس ، يأمرهم بالخير ويحثهم عليه ، وينهاهم عن السوء والفساد ويزجرهم عنه ، لئلايتهاوشوا(٤) ولايقتل بعضهم بعضا.
قال عليهالسلام : ويحك إن من خرج من بطن امه أمس ويرحل عن الدنيا غدا لاعلم له بما كان قبله ولا مايكون بعده ، ثم إنه لايخلو الانسان من أن يكون خلق نفسه ، أوخلقه غيره ، أولم يزل موجودا ، فما ليس بشئ لايقدرعلى أن يخلق شيئاوهو ليس بشئ ، وكذلك ما لم يكن فيكون شيئا يسأل فلا يعلم كيف كان ابتداؤه ، ولو كان الانسان أزليالم تحدث فيه الحوادث ، لان الازلي لاتغيره الايام ولايأتي عليه الفناء ، مع أنالم نجد بناء من غيربان ، ولا أثرا من غير مؤثر ، ولا تأليفا من غير مؤلف ، فمن زعم أن أباه خلقه قيل : فمن خلق أباه؟ ولوأن الاب هوالذي خلق ابنه لخلقه على شهوته ، وصوره على محبته ، ولملك حياته ، ولجارفيه حكمه ، مرض
__________________
(١) في المصدر : وإن لكل نجم منها موكل مدبر.
(٢) أى من قال : بان الموجودات حصلت من الطبائع الاربع وهى الحرارة والبرودة و الرطوبة واليبوسة ، ولم يعتقد بوجود صانع ماوراءها.
(٣) في المصدر هكذا : قال : القدرية فذلك قول من لم يملك البقاء ولاصرف الحوادث وغيرته الايام والليالى لايرد الهرم ولا يدفع الاجل مايدرى مايصنع به. قلت : فيه اضطراب ظاهر.
(٤) هاش القوم : اختلطوا واضطربوا ووقعت بينهم الفتنة. تهاوشوا : اختلطوا. وفى المصدر : تهارشوا ، من تهارشت الكلاب أى يتقاتلون ويتواثبون.