فلما سألوا الحجة زاغوا وحادوا ، فكذب مقالتهم التوراة ، ولعنهم الفرقان ، وزعموا مع ذلك أن إلههم ينتقل من قالب إلى قالب ، وأن الارواح الازلية هي التي كانت في آدم ، ثم هلم جرا تجري إلى يومنا هذا(١) في واحد بعد آخر ، فإذا كان الخالق في صورة المخلوق فبما يستدل على أن أحدهما خالق صاحبه؟ وقالوا : إن الملائكة من ولد آدم ، (٢) كل من صار في أعلى درجة دينهم خرج من منزلة الامتحان و التصفية فهو ملك ، فطورا تخالهم(٣) نصارى في أشياء ، وطورا دهرية يقولون : إن الاشياء على غير الحقيقة ، قدكان يجب عليهم أن لا يأكلوا شيئا من اللحمان ، لان الدواب عندهم كلها من ولد آدم حولوا من صورهم ، فلايجوز أكل لحوم القرابات.(٤)
قال : ومن زعم أن الله لم يزل ومعه طينة موذية(٥) فلم يستطع التفصي منها إلا بامتزاجه بها ودخوله فيها ، فمن تلك الطينة خلق الاشياء قال : سبحان الله وتعالى ما أعجزإلها يوصف بالقدرة لايستطيع التفصي من الطينة؟ إن كانت الطينة حية أزلية فكانا إلهين قديمين فامتزجا ودبرا العالم من أنفسهما ، فإن كان ذلك كذلك فمن أين جاء الموت والفناء؟ وإن كانت الطينة ميتة فلابقاء للميت مع الازلي القديم ، والميت لايجئ منه حي ، هذه مقالة الديصانية أشد الزنادقة قولا وأهملهم(٦) مثلا ، نظروا في كتب قد صنفتها أوائلهم وحبروها لهم بألفاظ مزخرفة من غير أصل ثابت ولاحجة توجب إثبات ما ادعوا ، كل ذلك خلافا على الله وعلى رسله وتكذيبا بما جاؤوا به عن الله ، فأما من زعم أن الابدان ظلمة والارواح نور وأن النور لايعمل الشر والظلمة لاتعمل الخير فلاتجب عليهم أن يلوموا أحدا على معصية ، ولاركوب حرمة ولا إتيان
__________________
(١) في نسخ هكذا : ثم هلم جرا إلى يومنا هذا. وفى نسخة : ثم هى هلم جراتجرى اه.
(٢) في نسخة : إن الملائكة من صلب آدم.
(٣) في نسخة : تختالهم. وفى هامش المصدر حكى عن نسخة : اختالهم.
(٤) قد أخرج المصنف قوله : « عمن قال بتناسخ الارواح » إلى هنا في باب ابطال التناسح ، وله هناك بيان للحديث وابطال للتناسخ راجع ج ٤ ص ٣٢٠ ـ ٣٢٢.
(٥) في هامش المصدر : مؤدية خ ل.
(٦) في المصدر : وأمهنهم مثلا. أى أضعفهم وأحقرهم.