خراب بيت المقدس وما حوله حين غزاهم بخت نصر فقال : أنى يحيي هذه الله بعد موتها ، فأماته الله مائة عام ثم أحياه ونظر إلى أعضائه كيف تلتئم وكيف تلبس اللحم وإلى مفاصله وعروقه كيف توصل ، فلما استوى قاعدا قال : أعلم أن الله على كل شئ قدير ، وأحيا الله قوما خرجوا عن أوطانهم هاربين من الطاعون لايحصى عددهم فأماتهم الله دهرا طويلا حتى بليت عظامهم وتقطعت أوصالهم وصاروا ترابا ، فبعث الله تعالى في وقت أحب أن يري خلقه قدرته نبيا يقال له : حزقيل(١) فدعاهم فاجتمعت أبدانهم ورجعت فيها أرواحهم ، وقاموا كهيئة يوم ما توا لا يفتقدون من أعدادهم رجلا فعاشوا بعد ذلك دهرا طويلا ، وأن الله أمات قوما خرجوا مع موسى حين توجه إلى الله فقالوا : أرنا الله جهرة ، فأماتهم الله ثم أحياهم.
قال : فأخبرني عمن قال بتناسخ الارواح من أي شئ قالوا ذلك؟ وبأي حجة قاموا على مذاهبهم؟ قال : إن أصحاب التناسخ قدخلفوا وراءهم منهاج الدين(٢) وزينوا لانفسهم الضلالات ، وأمر جوا أنفسهم في الشهوات ، وزعموا أن السماء خاوية(٣) مافيها شئ ممايوصف ، وأن مدبر هذا العالم في صورة المخلوقين بحجة من روى أن الله عزوجل خلق آدم على صورته ، (٤) وأنه لاجنة ولانار ولابعث ولانشور ، والقيامة عندهم خروج الروح من قالبه وولوجه في قالب آخر ، إن كان محسنا في القالب الاول اعيد في قالب أفضل منه حسنا في أغلى درجة الدنيا(٥) وإن كان مسيئا أوغيرعارف صار في بعض الدواب المتعبة في الدنيا أوهوام مشوهة الخلقة ، وليس عليهم صوم ولاصلاة ولا شئ من العبادة أكثر من معرفة من تجب عليه معرفته ، وكل شئ من شهوات الدنيا مباح لهم من فروج النساء وغير ذلك من نكاح الاخوات والبنات والخالات وذوات البعولة ، وكذلك الميتة والخمرو الدم ، فاستقبح مقالتهم كل الفرق ولعنهم كل الامم ،
__________________
(١) بكسر الحاء المهملة ثم الزاى المعجمة ، تأتى قصته في كتاب قصص الانبياء.
(٢) في نسخة : مناهج الدين.
(٣) خوى البيت : سقط وتهدم. فرغ وخلا.
(٤) تقدم بطلان هذه الحجة المزعومة وأن المتمسكين بها حذفواصدر الحديث ليوافق مزعمتهم. راجع المجلد الثالث : ص ١١ ـ ١٤.
(٥) في المصدر : في أعلى درجة من الدنيا.