بصره ، وانتشار ذكره ، واختلاف شهواته ، وانسكاب عبراته ، ومجمع سمعه ، وموضع عقله ، ومسكن روحه ، ومخرج عطسته ، وهيج غمومه ، وأسباب سروره ، وعلة ماحدث فيه من بكم وصمم وغيرذلك لم يكن عندهم في ذلك أكثرمن أقاويل استحسنوها وعلل فيما بينهم جوزوها.
قال : فأخبرني عن الله عزوجل أله شريك في ملكه ، أومضادله في تدبيره؟ قال : لا ، قال : فما هذا الفساد الموجود في هذا العالم من سباع ضارية ، وهوام مخوفة ، وخلق كثير مشوهة ، (١) ودود وبعوض وحيات وعقارب ، وزعمت أنه لايخلق شيئا إلا لعلة لانه لايعبث؟(٢)
قال : ألست تزعم أن العقارب تنفع من وجع المثانة والحصاة ، ولمن يبول في الفراش ، وأن أفضل الترياق ماعولج من لحوم الافاعي ، وأن لحومها إذا أكلها المجذوم لشبت نفعه ، (٣) وتزعم أن الدود الاحمر الذي بصاب تحت الارض نافع للاكلة؟ قال : نعم ، قال عليهالسلام : فأما البعوض والبق فبعض سببه أنه جعل أرزاق الطير ، وأهان بها جبارا تمرد على الله وتجبر وأنكر ربوبيته ، فسلط الله عليه أضعف خلقه ليريه قدرته وعظمته وهي البعوض فدخلت في منخره حتي وصلت إلى دماغه فقتلته. واعلم أنا لووقفنا على كل شئ خلقه الله لم خلقه ولاي شئ أنشأه لكنا قدساويناه في علمه ، وعلمنا كل مايعلم واستغنينا عنه وكنا وهو في العلم سواء. قال : فأخبرني هل يعاب شئ من خلق الله وتدبيره؟ قال : لا ، قال : فإن الله خلق خلقه غرلا ، أذلك منه حكمة أم عبث؟(٤) قال : بل حكمة منه؟ قال : غيرتم
__________________
(١) شوه الوجه : قبح.
(٢) هذا من الابحاث العميقة التي كانت متداولة بين الحكماء الاقدمين من أن الشرور كيف تصدر عن الحكيم؟ فبعضهم أجابوا عنها بأجوبة ، وبعضهم كالثنوية ذهبوا إلى تعدد خالق الخيرات والشرور ، وما أجاب عنها الامام عليهالسلام من الاجوبة المتينة التى تنحل به عقد الاشكال.
(٣) في نسخة : إذا أكلها المجذوم بشبت نفعه والشبت : نبات كالتمرة يقال له « رزالدجاج » وفى نسخة : بسبب ينفعه. وفى المصدر : بشب « نشيت خ ل » نفعه. والشب : ملح معدنى قابض ، لونه أببض ومنه أزرق وهو أشبه بالزاج شب الليل : نبات.
(٤) هذه المسألة أيضا من ملحقات المسألة السالفة ، وحاصله أنا نجد في العالم أشياء وجودها تزعم لغوا فايجادها ينافى الحكمة.