وهي حاسة لايجحد أثرها ، ولا تجحد أهميتها في توجيه الإنسان. والخلقيون والمثاليون ينيطون عليها آمالاً ويعددون لها آثاراً. وقد ذكرناها نحن لما استعرضنا الذخيرة النفسية لتكامل الانسان. إلا أنها لاتثمر بذاتها خيراً ولا تملك نفعاً ولا ضراً ما لم تتهيأ لها أقيسة ثابتة عادلة ، تنطبع بها روحها وتبتني عليها أحكامها.
انها قوة غريزية في الانسان ، وليست مكتسبة له من خارج نفسه ، وقد وجدت حتى عند البدائيين من الناس ، وعند أكلة لحوم البشر منهم. ولمحت آثارها لدى الأطفال ، إلا انها غير معصومة. فكثيراً مااضلتها الخدعة ، وكثيراً ما اخطأها التوفيق. والطوائف التي تتقرب الى آلهتها بدماء القتلى من البشر تجد لذع الضمير اذا فاتتها هذه القربة ، والابناء الذين تفرض المجتمعات عليهم قتل آبائهم اذا كبروا وشاخوا يؤنبهم الوجدان اذا هم لم يمتثلوا هذه الفريضة ، والقبائل التي ترى من الاحسان الى الموتى أن تحرق جثثهم بالنار وتذريها في الرياح توبخها ضمائرها اذا لم تُسد اليهم هذا الاحسان ، والغلاظ الجفاة الذين يئدون اطفالهم صغاراً لا يعدون عملهم هذا إجراماً ولا تحاسبهم ضمائرهم عليها. وقبائل الهند التي ترى من الوفاء للرجل الميت والتكريم لمقامه أن تدفن زوجته الحية معه في قبره لا تأسى لذلك قلوبهم ولا تكترث له وجداناتهم.
فالضمير لا يستقل بالحكم أبداً. ومن أجل ذلك اختلف الناس في أخلاقهم واختلفوا في عوائدهم مع وجود الضمير في كل فرد منهم ..
وقد يراد بالوجدان الموهبة التي نفرق
بها بين مواقع القبح ومواقع الجمال ، وبين درجاتهما لدى التفاوت ، فهو اذن خاص بنقد الفنون وما يشبه الفنون ،