ولكن ما يصنع لهؤلاء ؟ إنهم يطلبون منه آية من هذا النوع الذي يخرق النواميس. وخرق النواميس الكونية ليس أمراً تافهاً ليجاب إليه كل من يتشهاه.
ان الله وضع القوانين الكونية وفقاً لحكمة لاتحيد ولا تضعف ، واطلق حكمها في الأشياء بارادته وعلمه ، ولن يبطل الله قوانينه ولن يخلف حكمته مالم تعارضها حكمة خاصة هي أجدر منها بأن تراعى وأحرى بأن تطبق وليس منها البتة هذه الإقتراحات البليدة التي يتبنّاها العابثون.
وخرق النواميس آية حاسمة لانظرة معها ولا مهلة ، فإما الايمان بعدها وإما الدمار.
ذلك أن المصدَّ على الكفر بعد هذه الآيات مصر على عناد ، وقلبه قلب موبوء لايرجى صلاحه ولا تؤمن عدواه ، ومن الخير للمجتمع أن يحسم منه هذا العضو.
ولكن ما يصنع الرسول لهؤلاء ، انهم طلبوا منه ذلك ، وأصروا عليه إلا أن يكون : ( وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ؟ ... ) (١) هذا هو سياق الآية الكريمة.
وها هنا ، وفي معرض اقتراحهم الغريب ، وفي مجال طلبهم نزول آية تحيق بهم يلتفت القرآن لفتته الحكيمة فيصور لهم دهشتهم في موقفهم الذي يطلبون ، ويخلص من ذلك الى الدليل الفطري الذي يؤثر ، الى الدليل الذي لايرتاب فيه إنسان ولا يغيب عن وجدان.
__________________
١ ـ الأنعام ، الآية ٣٧.