هذا صنوف البينات وأبان لهم ضروب الحجج وقرعت أسماعهم آيات الكتاب ، وهل فوق ذلك من مطمع ؟
( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) (١).
( اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ) (٢).
انهم يطلبون من الرسول آية تثبت صدقة بعد كل هذه البينات وبعد كل هذه الدلائل فما معنى ذلك ؟ وبم يجيبهم الرسول على طلبهم هذا ؟ وانهم لا يسألونه برهاناً يرشد العقل ، ولا يطلبون منه بينة تركز الإيمان ، ولو كانت هذه طلبتهم لكانت لهم فيما أبداه بلغة. بل يحتكمون عليه نزول آية تخرق النواميس وتعجل لهم العقوبة ! فبماذا يجيبهم رسول الرحمة على هذا الاقتراح الغريب ؟
سنقول : إن الإسلام في غنى عن اللجوء الى الخوارق ، فما في الكون إلا آية تدل على صدق رسول الإسلام. وما في الكون إلا معجزة تؤيد له دعوته ، وسنقول أيضاً : من طبيعة الآيات التي تخرق النواميس انها تأخذ النفوس بالايمان أخذاً ودين محمد ينشد الإيمان الحرّ المكين القائم على الحجة ، المرتكز على الاقتناع ، الايمان الحر الذي يتشربه العقل وتمتليء به النفس.
__________________
١ ـ العنكبوت ، الآية ٥١.
٢ ـ الزمر ، الآية ٢٣.