وتوضيحه : أنّ المتكلّم
تارة يأتي بكلامين متّصلين وأخرى منفصلين.
ففي حال الاتّصال
يكون إحراز القرينيّة واضحا ؛ لأنّه إن كان في كلاميه المتّصلين ما يوجب صرف
الظهور الأوّل وانعقاده على طبق الظهور الثاني بأن كان الثاني مقيّدا أو مخصّصا
فهو وإلا فلا ، فإذا قال : ( أكرم علماء هذه البلدة ولا تكرم علماء تلك البلدة )
لم يكن الكلام الثاني المتّصل قرينة نوعيّة صارفة فيبقى ظهور الكلام الأوّل على
حاله ، وأمّا إذا قال : ( أكرم علماء هذه البلدة ولا تكرم الفسّاق منهم ) كان
الكلام الثاني قرينة نوعيّة عرفيّة دالّة على أنّ المقصود من العلماء غير الفسّاق
أي العلماء العدول فقط دون غيرهم.
وأمّا في حالة
الانفصال كما إذا تكلّم بكلام صباحا ثمّ تكلّم بكلام آخر عصرا ، فهنا لكي نحرز أنّ
الكلام الثاني قرينة عرفيّة نوعيّة أو لا نجمع الكلامين معا بنحو متّصل ، ونلاحظ
حال الظهور التصديقي في كلّ منهما ، فإن بقي الظهور التصديقي في كلّ منهما على
حاله لم يكن فيهما تلك القرينة النوعيّة ، وإن تغيّر الظهور في أحدهما كان أحدهما
قرينة نوعيّة على صرف الظهور ، بمعنى عدم انعقاده حال الاتّصال ممّا يعني أنّه ليس
حجّة حال الانفصال.
فمثلا إذا قال : (
أكرم العلماء ) في الصباح ثمّ عصرا قال : ( لا يجوز إكرام أي عالم ) فهنا لو
فرضناهما متّصلين معا كأن قال : ( أكرم العلماء ولا يجوز إكرام أي عالم ) فهنا لا
يكون أحدهما قرينة نوعيّة على بيان المراد ؛ لأنّهما معا عامّين وشاملين لكلّ
العلماء ممّا يعني وقوع التعارض بينهما.
وأمّا إذا قال : (
أكرم العلماء ) صباحا ثمّ قال عصرا : ( لا تكرم الفسّاق ) ، فهنا لو فرضناهما
متّصلين معا كأن قال : ( أكرم العلماء ولا تكرم الفسّاق ) كان الثاني قرينة نوعيّة
على تفسير المراد الجدّي والنهائي من الأوّل ؛ لأنّه يكون مخصّصا أو مقيّدا له
بحيث يكون المراد النهائي ( أكرم العلماء إلا الفسّاق ).
وبهذا ظهر أنّ
إعداد القرينة الشخصيّة يرتبط بما يذكره نفس المتكلّم من كلام ظاهر في التفسير ،
بينما إعداد القرينة النوعية فهو بما يراه العرف أنّه قرينة ، وهذا معناه الرجوع
إلى البناء العرفي لمعرفة وجود مثل هذه القرينة في كلام المتكلّم أو لا.
وهذا يتمّ بتحويل
الكلام المنفصل إلى متّصل فيكون حاله حال الكلام المتّصل