وثانيا : أنّ دليل الحجّيّة لا يشمل الدليلين المتعارضين شمولا منجّزا وفعليّا ومطلقا ؛ لأنّه يؤدّي إلى اجتماع الضدّين أو النقيضين ؛ لأنّ التعبّد بالمتنافيين يؤدّي إلى ذلك لا محالة.
وثالثا : أنّ دليل الحجّيّة يمكن شموله للدليلين المتعارضين بنحو مشروط لا مطلقا ، أي بنحو الحجّيّة التخييريّة المشروطة بأن لا يكون الآخر صادقا ، ولكن هذه الحجّيّة التخييريّة إنّما تتمّ فيما إذا كان التنافي بنحو التضادّ لا التناقض ؛ لأنّ النقيضين إذا علم بكذب أحدهما كان صدق الآخر متعيّنا فيلغو جعل الحجّيّة التخييريّة ؛ لأنّها تحصيل للحاصل ، وأمّا الضدّان فلا يكون العلم بكذب أحدهما مستلزما لصدق الآخر ، بل قد يصدق وقد لا يصدق فيعقل جعل الحجّيّة التخييريّة عليه ، والفائدة منها نفي الاحتمال الثاني.
وبهذا ينتهي الكلام عن مقتضى القاعدة الأوّليّة في التعارض المستقرّ بين الدليلين.
ومن أجل تكميل الصورة عن النظريّة العامّة للتعارض المستقرّ يجب أن نشير إلى عدّة أمور :
الأوّل : أنّ دليل الحجّيّة الذي يعالج حكم التعارض المستقرّ على ضوئه تارة يكون دليلا واحدا ، وأخرى يكون دليلين.
وتوضيح ذلك باستعراض الحالات التالية :
إنّ دليل الحجّيّة ـ الذي يتمّ علاج التعارض على ضوئه ـ من شموله لكلا الدليلين حيث يحكم بتعارضهما بلحاظه وبالتالي تساقطهما ، أو عدم شموله لشيء منهما فيسقطان من غير معارضة ، أو شموله لأحدهما المعيّن فيما إذا كان ملاكه أقوى وأهمّ ولو احتمالا ، أو شموله لأحدهما على نحو التخيير بشرط ألاّ يكون الآخر صادقا ـ كما تقدّم سابقا ـ فإنّ دليل الحجّيّة هذا تارة يكون واحدا وأخرى يكون متعدّدا ؛ لأنّه إمّا دليل حجّيّة الخبر وإمّا دليل حجّيّة الظهور.
فإذا كان واحدا فهذا معناه أنّ الدليلين إمّا أن يكونا ظنّيي السند فقط ، أو ظنّيي الدلالة فقط ، فهنا دليل الحجّيّة واحد ؛ لأنّ التعارض في الدليلين الظنّي السند يكون