٣ ـ التعارض المستقرّ على ضوء دليل الحجّيّة
نتناول الآن التعارض المستقرّ الذي تقدّم (١) : أنّ التنافي فيه بعد استقرار التعارض يسري إلى دليل الحجّيّة ، إذ يكون من الممتنع شمول دليل الحجّيّة لهما معا.
وسنبحث هنا حكم التعارض في ضوء دليل الحجّيّة وبقطع النظر عن الروايات الخاصّة التي عولج فيها حكم التعارض ، وهذا معنى البحث عمّا تقتضيه القاعدة في المقام.
تمهيد : التعارض المستقرّ هو التنافي بين مدلولي الدليلين أو بين الدليلين في مرحلة الدلالة ، بحيث يسري التنافي منهما إلى دليل الحجّيّة ؛ لأنّه لمّا لم يمكن الجمع العرفي بينهما واستقرّ التعارض فهذا يكشف عن أنّ أحد الدليلين على الأقلّ لا يشمله دليل الحجّيّة ؛ لأنّه لا يمكن التعبّد بهما والأخذ بمفادهما لمكان التنافي بينهما ، ودليل الحجّيّة ليس مفاده الأخذ بما يؤدّي إلى التنافي أو التضادّ والتكاذب.
والبحث في هذا الباب يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في حكم التعارض بين الدليلين على ضوء دليل الحجّيّة بقطع النظر عمّا تقتضيه الروايات الخاصّة ، وهذا يبحث فيه عن مقتضى القاعدة الأوّليّة في التعارض.
المقام الثاني : في حكم التعارض على ضوء الروايات الخاصّة التي تعالج التعارض المستقرّ بين الدليلين ، وهذا يبحث فيه عن مقتضى القاعدة الثانويّة للتعارض.
وينبغي التنبيه على أنّ سريان التعارض من الدلالتين إلى دليل الحجّيّة إنّما هو فيما إذا كان التعارض بين دليلين ظنّيّي السند كالخبرين مثلا ، وأمّا الدليلان القطعيّان من
__________________
(١) في تمهيد بحث التعارض ، تحت عنوان : ما هو التعارض المصطلح؟