روايات العلاج فلا
تكون السيرة والبناء العقلائي حجّة شرعا ، فلا يمكن التعويل على ما انعقدت عليه من
الجمع العرفي ، بل لا بدّ من إعمال المرجّحات أوّلا ثمّ التخيير ثانيا.
ويمكن بيان كونها
رادعة بأنّ الملاك والمناط المأخوذ في الروايات العلاجيّة هو تحقّق التعارض بين
الدليلين واقعا حتّى في موارد الجمع العرفي ؛ لأنّ التعارض فيها وإن كان لا يسري
إلى دليل الحجّيّة لمكان الجمع العرفي بينهما المستلزم لشمول دليل الحجّيّة
للدليلين بلا محذور ، إلا أنّه مع ذلك لا يخرج المورد عن عنوان المتعارضين
فيشملهما إطلاق روايات العلاج.
وقد
يجاب عن ذلك بأنّ الظاهر من
أسئلة الرواة الذين نقلوا أخبار العلاج كونهم واقعين في الحيرة والتردّد نتيجة
وجود الخبرين المتعارضين المتنافيين في دلالتهما ، كما يدلّ على ذلك ما تقدّم في
مرسلة ابن الجهم حيث قال فيها : ( فلا نعلم أيّهما الحق )؟ وكما يدلّ عليه ما جاء
في رواية ابن مهزيار من قوله : ( فأعلمني كيف تصنع أنت لأقتدي بك في ذلك ) وغيرهما
من الروايات ، فإنّ هذه التعبيرات وغيرها ظاهرها التحيّر والتردّد عند السائل
الراوي للرواية.
وعليه فيقال : إنّ
الراوي من البعيد أن يكون متحيّرا ومتردّدا فيما إذا جاءه خبران بينهما جمع عرفي
كالعامّ والخاصّ أو المطلق والمقيّد ؛ لأنّه بما هو إنسان عرفي داخل في البناء
العقلائي القائم على الجمع بين الخبرين المتعارضين بهذا النحو من التعارض غير
المستقرّ لا بدّ وأن يزول من عنده التحيّر والتردّد ، وهذا يعني أنّ مورد سؤاله
لمّا كان فيه تردّد وتحيّر فهو يسأل عن التعارض الذي ليس فيه جمع عرفي المزيل
للتردّد والتحيّر.
وهذا الأمر يعتبر
قرينة لبّيّة معنويّة متّصلة بإطلاق الروايات العلاجيّة ومانعة من شمول الإطلاق
لموارد الجمع العرفي الموجبة لزوال الحيرة والترديد ، وبالتالي ينصرف الإطلاق في
تلك الروايات إلى موارد التعارض المستقرّ التي لا جمع عرفي فيها ، فإنّ التردّد
والحيرة تظلّ باقية على حالها فيها .
__________________