خبران ظنّيّان
وكان كلّ منهما واجدا لشرائط الحجّيّة لو لا المعارضة ، فهذه الروايات تثبت جواز
الأخذ بأيّ واحد منهما ، وأنّ كلاّ منهما حجّة على سبيل التخيير بينه وبين الآخر.
ثمّ إنّ الكلام
هنا يقع في مقامين :
المقام الأوّل :
بحث ثبوتي حول إمكانيّة جعل الحجّيّة التخييريّة ومعقوليّتها في نفسها.
المقام الثاني :
بحث إثباتي حول استفادة الحجّيّة التخييريّة من الروايات المدّعى دلالتها على
التخيير ، وسوف نتكلّم عن البحثين تباعا :
أمّا
البحث الثبوتي : فقد يقال فيه : إنّ الحجّيّة التخييريّة غير معقولة ؛ لأنّه إمّا
أن يراد جعل حجّيّة واحدة أو جعل حجّيّتين مشروطتين.
أمّا
البحث الثبوتي : فقد يشكل في معقوليّة جعل الحجّيّة التخييريّة.
وقبل بيان الإشكال
في معقوليّة الحجّيّة التخييريّة تجدر الإشارة إلى مسألة مهمّة : وهي أنّ الحجّيّة
التخييريّة يشترط فيها أربعة شروط ، إذا توفّرت جميعها كان القول بها معقولا ،
وإلا فإنّ الإشكال في معقوليّتها يرجع دائما إلى فقدان أحد هذه الشروط الأربعة ،
وهي :
أوّلا : ألاّ تكون
الحجّيّة التخييريّة مستلزمة لفعليّة الحجّيّتين معا ، وإلا لزم من ذلك اجتماع
النقيضين أو الضدّين أي التنجيز والتعذير معا.
ثانيا : ألاّ تكون
الحجّيّة التخييريّة مستلزمة للدور أو اللغويّة ، وإلا لكان جعلها مستحيلا في
نفسه.
ثالثا : ألاّ يكون
إثبات الحجّيّة التخييريّة في أحد الطرفين معارضا بإثباتها في الطرف الآخر ، وإلا
فيلزم من تعارضهما سقوطهما معا عن الحجّيّة أي يلزم من حجّيّتهما عدم حجّيّتهما.
رابعا : أن يكون
العنوان الذي تنطبق عليه الحجّيّة التخييريّة يصدق عليه عرفا أنّه خبر ، وإلا فلا
يكون مشمولا لإطلاق دليل الحجّيّة العامّ.
وعلى هذا فنقول :
إنّ الإشكال في معقوليّة الحجّيّة التخييريّة يرجع إلى عدم تماميّة هذه الشروط
سواء كانت بمعنى جعل حجّيّة واحدة على الجامع أو بمعنى جعل حجّيّتين مشروطتين ،
ومن هنا ادّعى المشهور استحالتها بكلا النحوين :