ولذلك أثبتنا الحجّيّة التخييريّة ؛ لأنّها تعني رفع اليد عن الإطلاق لا مطلقا بل بنحو مجمل بحيث ترتفع بها المعارضة بين الدليلين من جهة ويثبت بها أثرا وفائدة من جهة ثانية وهي نفي الثالث.
إلا أنّ هذه الحجّيّة التخييريّة لا تتمّ فيما إذا كان الدليل الدالّ على الحجّيّة لبّيّا ـ كما هو الصحيح ـ كالسيرة العقلائيّة أو سيرة المتشرّعة أو الإجماع ؛ لأنّ الدليل اللبّي لا إطلاق فيه فيقتصر فيه على القدر المتيقّن وهو غير حالات التعارض بين الدليلين.
وأمّا مع المعارضة فلا نحرز ولا نتيقّن بشمول دليل الحجّيّة للسند أو للظهور للمتعارضين ، ولذلك كان قول المشهور من الحكم بالتساقط مطلقا هو الصحيح بناء على أنّ دليل الحجّيّة لبّي ، ولذلك لا يمكن إثبات الحجّيّة التخييريّة ؛ لأنّها فرع وجود الإطلاق لنتمسّك به ولا نرفع اليد عنه إلا بمقدار الضرورة ، والمفروض أنّه لا إطلاق من الأساس.
الثانية : ما كنّا نفترضه ـ في حالة تعارض الدليل اللفظي القطعي سندا مع الدليل اللفظي الظنّي سندا وعدم إمكان الجمع العرفي ـ من وقوع التعارض بين دليل حجّيّة الظهور في الأوّل ودليل حجّيّة السند في الثاني ، فإنّ هذا يناسب الإقرار بتماميّة كلّ من هذين الدليلين في نفسه وصلاحيّته لمعارضة الآخر ، مع أنّ الواقع ـ بناء على أنّ دليل حجّيّة السند ( أي حجّيّة خبر الواحد ) السيرة ـ قصوره في نفسه عن الشمول لمورد المعارضة المستقرّة لظاهر كلام قطعي الصدور من الشارع ؛ لعدم انعقاد السيرة في مثل ذلك على التعبّد بنقل المعارض.
الحالة الثانية ـ للفرق بين دليل الحجّيّة اللفظي ودليلها اللبّي ـ هي ما يظهر في الحالة التالية :
إذا تعارض دليل لفظي قطعي السند ظنّي الدلالة مع دليل لفظي آخر ظنّي السند ، كما إذا تعارض خبر الثقة مع الخبر المتواتر أو مع الآية الكريمة ، وقد تقدّم الكلام عن ذلك في الحالتين الرابعة والسادسة من التنبيه الأوّل من تنبيهات النظريّة العامّة للتعارض المستقرّ.
فهناك قلنا : إنّه إذا أمكن الجمع العرفي بين الدليلين بلحاظ مدلوليهما ولم يمكن ترجيح أحدهما المعيّن على الآخر لعدم أقوائيّة ملاكه ولو احتمالا ، فيقع التعارض بين