والثانية : حيث كنّا نعلم بوجوده فيهما ، فهنا نحتمل وجود الملاك كما نحتمل عدم وجوده في كلا الدليلين.
ولكنّنا نعلم من خلال نفس شمول دليل الحجّيّة لهما بأنّ ملاكها موجود فيهما معا ، بحيث كان إحراز الملاك متوقّفا على شمول دليل الحجّيّة لهما ، وأمّا لو لم يشملهما أو شمل أحدهما دون الآخر فلا ملاك فيهما أو في أحدهما فقط.
وعليه ، فنفترض هنا أنّ الملاك في أحدهما لو كان ثابتا فهو أهمّ من الآخر قطعا.
ففي هذه الحالة يقال بشمول دليل الحجّيّة لأحدهما المعيّن دون الآخر.
والوجه في ذلك : ما تقدّم سابقا ؛ لأنّ الدليل الآخر الذي ملاكه على تقدير ثبوته ليس بأهمّ من ملاك الأوّل ، بل هو إمّا لا ملاك فيه أو لأنّ الملاك فيه على تقدير وجوده ، فهو نحو ملاك مغلوب ومرجوح ؛ لأنّ الملاك في الأوّل أهمّ فهو أقوى.
ولذلك سوف نعلم قطعا بسقوطه عن الحجّيّة : إمّا من نفسه لعدم وجود الملاك فيه ، وإمّا بسبب وجود الملاك الأقوى الغالب له.
بينما لو لاحظنا الدليل الذي ملاكه أهمّ وأقوى فسوف لن يحصل لنا العلم بسقوطه على كلّ تقدير ، وإنّما يحصل لنا العلم بسقوطه على تقدير أن يكون لا ملاك فيه ؛ لأنّنا نحتمل وجود الملاك كما نحتمل عدم وجوده ، فعلى تقدير انتفاء الملاك فيه يكون ساقطا ، ولكن على تقدير أن يكون الملاك فيه موجودا فنحن قد فرضنا أنّنا نعلم بأنّ الملاك فيه نحو ملاك يكون أقوى وأهمّ من الآخر ، ولذلك يشمله دليل الحجّيّة دون الآخر.
وهذا معناه أنّنا لا نعلم بسقوطه على كلّ تقدير ، بل على بعض التقادير فيتعيّن الأخذ به ، ولا يجري محذور الترجيح بلا مرجّح ؛ لأنّ العقل يرجّح الأخذ بالأهمّ ملاكا.
وهكذا أيضا لو فرضنا أنّ الملاك فيه محتمل الأهمّيّة ، فإنّ الكلام المتقدّم يتمّ فيه ؛ لأنّ الملاك الآخر معلوم السقوط إمّا من نفسه لعدم وجود الملاك فيه رأسا وإمّا لأنّه على تقدير وجود الملاك فيه فهو إمّا مساو أو أقلّ أهمّيّة ، وفي الفرضين يسقط إمّا للمعارضة مع مساويه وإمّا لكونه مرجوحا ومغلوبا.
ويمكننا أن نعطي مثالا لهذه الحالة الثالثة ، وذلك فيما إذا فرضنا التعارض بين