الشرعي ؛ لأنّه
ليس له مدلول يكشف ويحكي عنه ، وإنّما هي مجرّد وسائل لتسجيل الوظيفة العمليّة على
المكلّف حال الشكّ وعدم وجود الدليل على الحكم الشرعي ، فهي تحكي وتكشف عن موقف
عملي تسجّله على ذمّة المكلّف ولا تحكي عن الحكم الشرعي والجعل ، ولذلك لا يقع
التعارض بين البراءة والاحتياط مثلا بحسب المصطلح ؛ لأنّ التعارض الاصطلاحي هو
التنافي بين الدليلين أو الجعلين أو مدلولي الدليلين بحيث لا بدّ من فرض جعلين
متنافيين والأصول ليس مفادها ذلك ، بل البراءة لسانها التعذير والتأمين ،
والاحتياط لسانه التنجيز ؛ هذا بلحاظ ما تحكي عنه الأصول أي بلحاظ مدلولها.
نعم ، الأصول
نفسها مجعولات شرعيّة أي هي أحكام شرعيّة ظاهريّة جعلها الشارع حال الشكّ ، وهذا
معناه أنّه يوجد دليل شرعي أو عقلي دلّ على البراءة أو على الاحتياط ، ولمّا كان
موضوع البراءة والاحتياط واحدا ؛ لأنّه الشكّ في الحكم الواقعي ، فيقع التعارض بين
الأدلّة الدالّة على البراءة والاحتياط ، بمعنى أنّ جعل البراءة حال الشكّ يتنافى
مع جعل الاحتياط حاله ، ولذلك لا بدّ من حلّ ذلك.
وقد تقدّم منّا في
بحث الأصول العمليّة حلّ هذا التنافي وأنّه ليس مستقرّا ؛ لأنّ موضوع البراءة وإن
كان الشكّ ولكنّه الشكّ في التكليف ، بينما موضوع الاحتياط هو الشكّ في المكلّف به
، أو الشكّ البدوي من دون فحص ، أو الشكّ المقرون بالعلم الإجمالي ؛ ولذلك لا يدخل
في بحث التعارض الاصطلاحي حقيقة.
وحينما نقول في
كثير من الأحيان : إنّ الأصلين العمليّين متعارضان ، لا نقصد التعارض المصطلح
بمعنى التنافي بينهما في المدلول ، بل التعارض في النتيجة ؛ لأنّ كلّ أصل له نتيجة
معلولة له من حيث التنجيز والتعذير ، فإذا كانت النتيجتان متنافيتين كان الأصلان
متعارضين ، وكلّما كانا كذلك وقع التعارض المصطلح بين دليليهما المحرزين ؛ لوقوع
التنافي بينهما في المدلول.
دفع
إشكال : أمّا الإشكال
فحاصله : أنّ ما ذكرتم من عدم وقوع التعارض بلحاظ الأصول العمليّة وأنّها خارجة عن
موضوع التعارض الاصطلاحي ، يتنافى مع ما يقال عادة وفي كثير من الأحيان : من أنّ
الأصلين متعارضان ، كما في جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي ، فإنّه يقال
بتعارضهما وتساقطهما ، وكما في تعارض