ـ « أعطوا أعينكم حظّها من العبادة » قالوا : وما حظّها من العبادة ؟ قال صلىاللهعليهوآله : « النظر في المصحف ، والمتفكر فيه ، والاعتبار عند عجائبه ». ولاريب أنّ حظ العين محفوظ في المهمة الاولى « النظر في المصحف » ، فوجود مصحف يتلا منه القرآن كان مفضلاً على تلاوة من الحافظة ، ولا تخفى حقيقة الغرض الأهم من هذا وهي حفظ القرآن للأجيال القادمة (١).
هذه أدلة كافية على أن القرآن الكريم كان يدون في وقت نزوله ، ويجمع ويرتّب مباشرة باشراف الرسول صلىاللهعليهوآله ، الأمر الذي وفّر له سلامته من النقصان ومن التحريف ومن التصرف. وإضافة إلى هذا فإن عملية مراجعة شاملة لكل ما نزل من القرآن كانت تجري سنوياً ، وفي السنة التي توفي فيها رسول الله صلىاللهعليهوآله كررت هذه العملية مرتين ، وفي حينها كان القرآن قد اكتمل نزوله (٢). هذا غير مبادرات الصحابة أنفسهم لعرض مصاحفهم على رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وقد عرف هذا في تاريخ عدد غير قليل منهم ، عدّهم الذهبي سبعة : « عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وأُبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وأبو موسى الأشعري ، وأبو الدرداء » (٣). ولايعني اشتهار أخبار هؤلاء السبعة أن الأمر كان مقصوراً عليهم ، بل قد يعني فقط أن الأمر معهم أكثر ثباتاً وشهرةً وأهمية.
_______________________
(١) سلامة القرآن من التحريف / علي موسى الكعبي : ٩٣ ـ ٩٤.
(٢) راجع : صحيح البخاري ٦ : ٣١٩ ، مجمع الزوائد ٩ : ٢٣ ، كنز العمال ، الحديث ٣٤٢١٤.
(٣) البرهان في علوم القرآن / الزركشي ١ : ٣٠٦.