وقد أكلا منها فلم يموتا ؟!
ـ وإذ استنكرنا أن ينسب الحديث إلى الحيّة ، فإن يوحنا يجعل في رؤياه مخرجاً من هذا حين يقول : « إن الحية القديمة هو المدعو إبليس والشيطان الذي يُضلّ العالم ». (١)
ـ ولكن يبقى السؤال : كيف يكون إبليس والشيطان الذي يُضلّ العالم أكثر صدقاً من الله تعالى وأكثر منه جلّ شأنه نصيحةً لآدم ؟!
لقد حاولت جمعية الهداية أن تخرج من هذا المأزق الحرج ، فأوّلت الموت الذي حذر الله منه آدم وحواء بأنه الموت الروحي ، وليس هو الموت الحقيقي. (٢)
لكن هذا التأويل لا يشفع لأصحابه ، لأن التوراة نفسها تنفيه ، فهي من ناحية نسبت إلى آدم الموت الروحي قبل أن يأكل من الشجرة ، فقد كان بحسبها لا يعرف الحسن والقبيح ، حتى أنه لا يميز أنه عريان ، ولا يخجل ، فليس له إذن حياة روحية ، فإن من يكون على حال يدرك فيها قبح المخالفة ، لا يصح السخط عليه أصلاً ، فكيف يصح السخط على من لا يعرف الحسن لكي يعرف حسن الطاعة ويرغب فيها ، ولا يعرف القبيح والشر لكي يعرف قبح المخالفة للوصية ؟
ومن ناحية ثانية ، أوجبت لآدم الحياة الروحية حيث أكل من الشجرة ، حتى صار ، بحسب عبارتها ، كالله ! عارف بالحسن والقبيح ، والخير والشر ،
_______________________
(١) الاصحاح ١٢ ـ العدد ٩.
(٢) كتاب جمعية الهداية ٢ : ١٣١.