إلا كان مروان ممن يشعبه . في حين أن سيرته ـ وسيرة أبيه التي ذكرنا طرفا منها في فصل سابق .
قد دلت على نقيض ذلك . ومواقفه من الرسول معروفة ، وسيرته في تأليب الناس على عثمان بن عفان أشهر من أن تذكر .
ولا ندري كيف جاز لواضع القصة أن يزعم مع اعترافه بحرب مروان لعلي بن أبي طالب ـ وشقه عصا المسلمين ـ بأن مروان ممن يشعب الصدع في الاسلام عند حدوثه ! !
ويتعلق بما ذكرناه ( من القصص الملفقة لخدمة الأمويين ) ما رواه ابن الأثير (١) عن أبي زياد أنه قال : كان فقهاء المدينة أربعة : سعيد بن المسيب وعروة ابن الزبير وقبيصة بن ذئيب وعبد الملك بن مروان .
وقال الشعبي : ما ذاكرت أحداً إلا وجدت لي الفضل عليه إلا عبد الملك بن مروان فأني ما ذاكرته حديثاً إلا زادني فيه ولا شعراً إلا زادني فيه » .
ويلوح للباحث أن هذا النوع من الكذب كان يظهر أحياناً على لسان الحكام الأمويين . فكان عبد الملك بن مروان مثلا يقول ـ عندما حضرته الوفاة عام ٨٦ هـ .
( أخاف الموت في شهر رمضان . فيه ولدت ، وفيه فطمت ، وفيه جمعت القرآن ، وفيه بايع لي الناس ) .
ولا ندري : كيف استطاع عبد الملك أن يعرف أنه فطم في شهر رمضان ؟ ! وعمره آنذاك لا يتجاوز السنتين . . على أنه ليس من العسير على الباحث ، مع هذا أن يتلمس دوافع الوضع والكذب في أمثال تلك الأمور ؟
__________________
١ ـ الكامل في التاريخ ٣ / ١٠٤ أما أرجوزة ابن عبد ربه في وصف سيرة عبد الرحمن الناصر فأشهر من أن تذكر . فقد أغفل اسم علي بن أبي طالب من سلسلة الخلفاء الراشدين واعتبر معاوية رابعهم ثم وصل الدولتين الأمويتين ـ في الشام والأندلس ـ ببعضهما كما هو معروف .