وروى البخاري كذلك باسناده عن أبي سعيد الخدري « قال : قال رسول الله إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما (١) » .
وما يجرى هذا المجرى من « الأحاديث » لا يكاد يقع تحت حصر لكثرته . وجميعه يدعو الملسمين إلى الخضوع لأوامر الحكومة القائمة مندداً بمثيري الفتن والمشتركين فيها . ويتلخص جميعه فيما يلي (٢) « ستكون فتن ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم خير من الماشي ، والماشي خير من الساعي ، ومن وجد ملجأ أو معاذاً فليعذ به . »
يتضح من « الأحاديث » الآنفة الذكر أن الرسول يدعو أمته ـ والمؤمنين برسالته ـ إلى الانصياع إلى حكامهم حتى وإن خرج أولئك الحكام في تصرفاتهم على مبادىء الإسلام ـ وذلك خوفاً من التفرقة والقطيعة . فكان الرسول في تلك « الأحاديث » يدعو أمته إلى هدم رسالته للمحافظة على وحدة الصفوف على حساب الدين ـ وهو أمر على جانب كبير من الخطورة والمجازفة .
وإذا كانت وحدة الصفوف هي الهدف الأسمى للنبي ـ دون اهتمام بالمبادىء التي تحدث تلك الوحدة وفقاً لمستلزماتها ـ فلماذا هدم الرسول وحدة صفوف العرب في جاهليتهم وحطم أصنامهم ودك معتقداتهم الوثنية وهي أعز شيء لديهم ؟ !
ولو كانت تلك « الأحاديث » سليمة من الناحية التاريخية فلماذا لم يستشهد بها أحد من الصحابة عند وفاة الرسول واختلاف الاراء حول تراثه وخلافته .
ولماذا لم يستشهد بها أحد من المسلمين حين ظهور الخلاف بين بعض المسلمين حول الزكاة في عهد أبي بكر وظهور ما يطلق عليهم إسم « المرتدين » ؟ .
__________________
١ ـ صحيح البخاري ٢ / ١٢٢ . ولسنا نعلم من هو الآخر منهما ؟ أهو الذي تدور عليه الدوائر ؟ وقديماً قيل :
الناس من يلق خيراً قائلون له |
|
ما يشتهي ولأم المخفق الهبل |
٢ ـ روى ذلك أحمد بن حنبل في مسنده ٢ / ٢٨٢ بإسناده عن أبي هريرة . قال : قال رسول الله :