باعتباره الموقف الذي ينبغي اتّخاذه واقعا في نظر العقلاء ، سواء كان مرتبطا بحكم تكليفي ـ كالسيرة على إناطة التصرّف في مال الغير بطيب نفسه ولو لم يأذن لفظيّا ـ أو بحكم وضعي ، كالسيرة على التملّك بالحيازة في المنقولات.
النوع الأوّل : السيرة بلحاظ الأحكام الواقعيّة : والمقصود من ذلك أن يتّخذ العقلاء موقفا ما باعتباره أنّه الموقف الذي ينبغي للشارع اتّخاذه واقعا ، فيكون بناؤهم العقلائي على أنّ هذا الموقف الذي ساروا عليه وتبانوا واتّفقوا عليه بما هم عقلاء ينبغي أن يكون له نظير في الشريعة واقعا ، بأن يكون هناك حكم واقعي على طبق الموقف الذي اتّخذوه ، وهذا يمكن إثباته بلحاظ سكوت المعصوم وعدم ردعه عن موقفهم ، فمعناه أنّه يوجد حكم واقعي على طبقه.
ثمّ إنّ هذا الموقف تارة يكون بلحاظ حكم واقعي تكليفي ، وأخرى يكون بلحاظ حكم واقعي وضعي.
فإذا كان موقف العقلاء وسيرتهم على حلّيّة شيء ونحوها من الأحكام التكليفيّة كان موقفهم هذا بلحاظ الحكم الواقعي التكليفي ، من قبيل بناء العقلاء على أنّه يجوز التصرّف بمال الغير بمجرّد طيب نفسه ولو لم يأذن بذلك لفظيّا ، فيكفي عندهم الرضا القلبي للمالك وإن لم يتلفّظ بذلك ، فهذا موقف على الجواز الذي هو أحد الأحكام التكليفيّة.
وإذا كان موقفهم وسيرتهم على حكم معاملي كالملكيّة ونحوها فيكون موقفهم بلحاظ الحكم الواقعي الوضعي ، من قبيل بناء العقلاء على أنّ الحيازة سبب للملكيّة فيحكمون بأنّ من حاز شيئا من المشتركات العامّة لكلّ الناس فهو مالك له ، ومن الواضح كون الملكيّة من الأحكام الوضعيّة.
والنوع الآخر : السيرة بلحاظ مرحلة الظاهر والاكتفاء بالظنّ ، ونقصد بذلك السيرة على تصرّف معيّن في حالة الشكّ في أمر واقعي اكتفاء بالظنّ مثلا ، من قبيل السيرة على الرجوع إلى اللغوي عند الشكّ في معنى الكلمة واعتماد قوله وإن لم يفد سوى الظنّ ، أو السيرة على رجوع كلّ مأمور في التعرّف على أمر مولاه إلى خبر الثقة ، وغير ذلك من البناءات العقلائيّة على الاكتفاء بالظنّ أو الاحتمال في مورد الشكّ في الواقع.