التكوينيّة فقط إلا أنّ هذه السيرة توحي إليهم ولو خطأ بأنّ الشارع يرضى بسيرتهم حتّى بلحاظ أغراضه التشريعيّة ؛ ، ولذلك كان يجب على الشارع النهي والردع عن سيرتهم هذه لو لم يكن موافقا لهم ، فإذا سكت ولم يردع كان ذلك إمضاء لهذه السيرة المتضمنة لهذا الإيحاء والارتكاز. ففي الحقيقة الإمضاء متوجه لهذه التوسعة الناشئة من الإيحاء والبناء والارتكاز.
وفي مقامنا يعلم بانعقاد سيرة العقلاء على الأخذ بالظهور في أغراضهم التكوينيّة والتشريعيّة ، فسكوت الشارع عند ذلك يعتبر إمضاء لبنائهم بالعمل بالظهور حتّى بلحاظ أغراض الشارع أي أنّه يحكم بحجيّة الظهور في كلام الشارع أيضا ، وحينئذ يكون الشارع قد جعل الظهور حجّة بمعنى أنّه يقتضي الحجيّة ، فحجيته اقتضائية فيؤخذ بها ما لم يوجد هناك حجّة أخرى أقوى تمنع من الأخذ بهذا الظهور ، وهذه الحجيّة الأقوى لا بدّ أن تكون معتبرة شرعا ، لأنّ الكلام في ظهور كلام الشارع ، فإذا كان لظهور الكلام في العموم أو الإطلاق حجّة أخرى أقوى منه كالتخصيص والتقييد وكانت معتبرة شرعا فإنّه يرفع اليد عن هذا الظهور وبالتالي لا يكون حجّة فعلا ، وإن كان يقتضي الحجيّة بذاته لو لا هذا المانع.
وأمّا إذا قامت قرينة وأمارة على خلاف الظهور ولم تكن معتبرة شرعا فهذا يعني أنّه لا يمكن أن يرفع اليد بها عن حجيّة الظهور المعتبرة شرعا ، لأنّ الحجّة لا يرفع اليد عنها إلا إذا قامت حجّة أقوى منها على خلافها ، وهنا لم تقم الحجّة الأقوى بل لم تقم الحجّة أصلا ، لأنّ مثل هذه الأمارة غير معتبرة شرعا ، فهي ليست حجّة تعبّدا ليعوّل عليها في تفسير المراد الجدّي من كلام الشارع ، فهي وإن كانت عقلائيّة ولكنها ظنيّة فتحتاج إلى التعبد الخاص من الشارع والمفروض أنّ خلافه هو الموجود.
ولذلك يتعيّن العمل بالظهور ولا تضرّ مثل هذه القرينة والأمارة.
والأمر الآخر الذي يلاحظ على الوجه الثاني أنّ السيرة العقلائيّة إنّما انعقدت على العمل بالظهور واتخاذه أساسا لاكتشاف المراد في المتكلّم الاعتيادي الذي يندر اعتماده على القرائن المنفصلة عادة ، والشارع ليس من هذا القبيل ، فإنّ اعتماده على القرائن المنفصلة يعتبر حالة متعارفة ولا توجد حالات مشابهة في العرف لحالة الشارع ليلاحظ موقف العقلاء منها.