والدلالة الاستعمالية التي هي دلالة تصديقية وإنّما هو ـ كالمرآتية على ما تقدّم منّا ـ مربوط بمرحلة الدلالة التصورية الوضعية فإنّها حاصلة على نحو علاقة واحد بواحد تصوراً ، بل هذا من شؤون مرآتية الدلالة بالمعنى الذي تقدّم في تحليلها ؛ ولهذا أيضاً ربط القائلون بامتناع استعمال اللفظ في أكثر من معنى ذلك بمبنى الفنائية ومرآتية الاستعمال.
لا يقال : لا يعقل الترديد في انسباق المعنى من اللفظ في عالم الذهن لأنّ الفرد المردّد ممتنع خارجاً وذهناً. نعم ، المردد قد يعقل بلحاظ المدلول الاستعمالي كما في الكتاب في الجهة القادمة من البحث ، فلابد من فرض أحد شقوق :
إمّا عدم انسباق معنىً أصلاً من اللفظ المشترك إلى الذهن عند سماعه فكأنّه لفظ مهمل ، وهذا خلاف الوجدان. أو انسباق أحد المعنيين دون الآخر ، وهو ترجيح بلا مرجح ، في الامور التكوينية وهو محال. أو انسباق كلا المعنيين الحقيقيين إلى الذهن معاً فيكون كاللفظ المختص غير المشترك على مستوى الدلالة اللفظية الوضعية التصورية ، فلابد وأن يكون المخالفة بلحاظ الظهورات الحالية التصديقية لا الظهور التصوري الوضعي.
فإنّه يقال : يعقل التردد بمعنى آخر لا يساوق وجود الفرد المردد الذهني لكي يكون محالاً ، بل بمعنى التوقف والابهام في ربط المعنى باللفظ وتحقّق الاستجابة الذهنية منه ، فإنّ هذا غير الوجود الذهني ليستحيل فيه الترديد ، بل هو من سنخ الفعاليات الذهنية فيبقى الذهن متردداً فيه ، نظير ما إذا نسى الإنسان أنّ اسم زيد هل كان لابن عمرو أو ابن خالد ، فإنّه عند سماعه من الجدار لا يكون كسماع اللفظ المهمل كما لا يحس بارتباطه بكليهما ، بل يتردد ذهنه بين أحد الشخصين لا مفهوم أحدهما ، فإنّه لم يوضع له ، وليس علماً بل واقع أحدهما