الحاکي عنه ، فحقيقة الإنسان الذي هو موضع بحثنا هنا ، تمکن في نفسه الناطقة التي تمثل کما ذکرنا في الفصل الأول فصله الأخير ، إلا أن هذه النفس الواحدة في وحدتها کل القوى والمراتب بما فيها مرتبة القوة الخيالية والوهمية بالإضافة إلى مرتبة العقل ، وقد قال في نتيجة ما أصله صدرالمتألهين : ) إن من تأمل وتدبر في هذه الأصول والقوانين العشرة التي أحکمنا بنيانها وشيدنا أرکانها ببراهين ساطعة وحجج قاطعة لامعة مذکورة في کتبنا وصحفنا ، سيما هذا الکتاب ، (١) تأملاً کافياً تدبراً وافياً بشرط سلامة فطرته عن آفة الغواية والاعوجاج ومرض الحسد والعناد ، وعادة العصبية والافتخار والاستکبار ، لم يبق له شک وريب في مسألة المعاد وحشر النفوس والأجساد ، ويحکم بأن هذا البدن بعينه سيحشر يوم القيامة بصورة الأجساد ، وينکشف له أن المعاد في المعاد مجموع النفس والبدن بعينهما وشخصهما ، وأن المبعوث في القيامة هذا بعينه لا بدن آخر مباين له عنصرياً کان کما ذهب إليه جمع من الإسلاميين ، أو مثالياً کما ذهب إليه الإشراقيون ؛ فهذا هو الاعتقاد الصحيح المطابق للشريعة والملة الموافق للبرهان والحکمة ، فمن صدق وآمن بهذا فقد آمن بيوم الجزاء ، وقد أصبح مؤمناً حقاً ، والنقصان عن هذا الإيمان خذلان وقصور عن درجة العرفان ، وقول بتعطيل أکثر القوى والطبائع عن البلوغ إلى غاياتها والوصول إلى کمالاتها ونتائج أشواقها وحرکاتها ، ويلزم أن يکون ما أودعه الله في غزائر الطبائع الکونية وجبلاتها من طلب الکمال والتوجه إلى ما فوقها هباء وعبثاً وباطلاً وهدراً ... إلى أن قال : ومن تيقن بهذا تيقن بلزوم عود الکل ، ولم يشتبه عليه ذلک ، وهذا مقتضى الحکمة ، والوفاء بالوعد والوعيد ، ولزوم المکافأة في الطبيعة والمجازاة ، ولنا رسالة على حده في هذا الباب (٢) بينا فيها حشر جميع الأشياء الکائنة حتى الجمادات والنبات إلى الدار الآخر وحشر الکل إليه
ــــــــــــــــ
١. المصدر السابق ، ص ١٧٩.
٢. ويقصد بهذه الرسالة هي ، رسالة في الحشر التي طبعت مع مجموعة رسائله الفلسفية ، فراجع.