وأخيراً ينبغي التنبيه إلى شيء مهم ، وهو عدم توفيق الفلسفة المشائية في التطبيق بين ما جاءت به الشريعة الإسلامية وبين الأصول العقلية التي تبنتها هذه المدرسة في الفکر الإسلامي ، وخصوصاً ما حصل لها في مسألة المعاد الجسماني الذي نحن بصدد دراسته وإثباته على أساس المنهج المتبع في هذه المدرسة ، فقد أخففت في تحقيقه فلسفياً وعقلياً وآمنت بها تعبدياً ، کما سيأتي في محله ، ولکن هناک شيئاً يختلج في أذهاننا ، وهو لماذا هذا الإخفاق ؟ هل هو لقصور في أصولها العقلية التي تراها مصونة من الخطأ ، أم أن النصوص الشرعية لم تکن موافقة في الواقع لما يثبته العقل ؟ بمعنى أن ساحة الشريعة شيء ، وساحة العقل شيء آخر ؟ وفي جواب هذه الأسئلة وغيرها ، نقول: إن الفصل بين الشريعة والعقل قول بلا دليل ، بل الدليل قام على عکسه ، ولکن ثمّة أصولاً أخذت بعنوان أصول موضوعة في الفلسفة المشائية ، وکانت في الواقع ليست کذلک ، إذ ظهر بطلان الکثير منها ، کأصل عدم تجرد القوة الخيالية ، وأصل نفي الحرکة الجوهرية ، وغيرها ، التي على أساسها صعب إثبات الکثير من المسائل الضرورية ، کمسألة المعاد الجسماني ، ومسألة برزخ النفوس الناقصة غير الکاملة ، وغيرها.
وعليه فإنّ الأسلوب والمنهج العلمي في تحقيق مسائل الفلسفة المشائية المتعلقة بشتى جوانب العالم الکوني ، کان منهجاً قائماً على أساس الاستدلال العقلي المحض ، المبني على أساس وجوب تأويل الشرع المخالف للنتائج المنتهى إليها في الاستدلال ، بحيث تکوّن عنه رؤية کونية فلسفية تختلف عن الرؤية الکونية الدينية ، وهذا هو أکبر خطأ ارتکبته الفلسفة المشائية في مسألة عدم التوفيق بين قواعدها وقواعد الشرع ، في الوقت الذي لا يمکن أن تکون نتائج الشرع مخالفة لنتائج العقل ، فإن کان هناک خلل ، فهو في حقيقة الأصول الموضوعة لها.