واقعيتها وحقيقتها ، فالعدل والحکمة لهما خصائص هذه الصفة باعتبار استنادهما عليها ، وعليه فالبرهان قائم على مقدمتين واقعيتين حقيقيتين بهذا الاعتبار ، فتأمل !
وبعد ثبوت هذا الأمر ، نقول إن الله تعالى کلَّف عبده بمجموعة تکاليف تحمل من أجلها الآلام والإيذاء ، وهو يستلزم العوض عليها ، وإلا لکان ظلم منه تعالى لعبده ، وساحته منزَّهة عن هذا ، کما وصف نفسه تعالى بقوله : ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) ، (١) ولقوله : ( وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) ، (٢) لقوله : ( لا يُضِيعُ أَجْرَ المُؤْمِنِينَ ) ، (٣) وغيرها ، بل هو مقتضى عدله وحکمته أن يعطيه أجره على ذلک ، ومادام العبد لم يحصل على هذا الأجر في عالم الدنيا ، فوجب عليه من هذا لمنطلق أن يعطيه إياه في يوم توفّى فيه کل نفس ما عملت من خير أو شر ، وذلک هو اليوم الآخر.
الدليل الثاني : الدليل السمعي : وقد عبر عنه بقوله : ( الضرورة الدينية قاضية بثبوت الجسمانية من دين محمد ٦ مع إمکانه ). (٤)
ويمکن أن يعترض عليه بما يلي :
أولاً : ما المقصود من هذه الضرورة ، وما هي حدودها ، ولماذا قيدت بدين النبي محمد ٩ ؟
ويمکن أن نجيب عن السؤال باحتمالين ، وهما : إنّ المراد منها هي خصوصية الضرورة الدينية ، وعندئذ نسأل هل المقصود منها الإجماع والاتفاق الحاصل لعلماء الأمة الإسلامية من دين محمد ٩ أم أن المقصود منها الحکم العقلي المؤيد بالشرع المحمدي الحنيف ؟
فعلى الأول ، يکون الإجماع مدرکياً ، فيرجع في ثبوته وعدمه إلى تحقيق المدرک المتکئ عليه ، کما هو الظاهر من کلامه الشريف إرادته منه خصوص
ــــــــــــــــ
١. فصلت ، ٤٦.
٢. آل عمران ، ١٨٢ ؛ الأنفال ، ٥١ ؛ الحج ، ١٠.
٣. التوبة ، ١٢٠ ؛ يوسف ، ٩٠ ؛ هود ، ١١٥.
٤. کشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد ، تحقيق الشيخ السبحاني ، قسم الإلهيات ، ص ٢٥٨.