تحت عنوان صفة أرض المحشر وأهله : ( ثم انظر کيف يساقون بعد البعث والنشور حفاة عراة غرلاً إلى أرض المحشر ، أرض بيضاء قاع صفصف لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً ، ولا ترى فيها ربوة يختفي الإنسان وراءها ، ولا هدّة ينخفض عن الأعين فيها ، بل هو صعيد واحد بسيط لا تفاوت فيه ، يساقون إليه زمراً ، فسبحان من جمع الخلائق على اختلاف أصنافهم من أقطار الأرض إذ ساقهم بالراجفة تتبعها الرادفة ، والراجفة هي النفخة الأولى ، والرادفة هي النفخة الثانية ، وحقيق لتلک القلوب أن تکون يومئذٍ واجفة ، ولتلک الأبصار أن تکون خاشعة ، قال رسول الله : « يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء کقرص النقي ، ليس فيها معلم لأحد » ، قال الراوي العفرة : بياض ليس بالناصع ، والنقي : هو النقي عن القشر والنخالة ، ومعلم : أي لا بناء يستر ، ولا تفاوت يرد البصر ، .... إلى أن قال : واشتبک الناس کالفراش المبثوث ، وهم حفاة عراة مشاة ، قال رسول الله : « يبعث الناس حفاة عراة ، قد ألجمهم العرق ، وبلغ شحوم الآذان » ). (١)
أقول : وهذا صريح بأن معاد الإنسان يکون بالروح والجسد کما کان يعيش بهما في عالم الدنيا ؛ لما بينه من أوصافهم وأحوالهم في ذلک المشهد العظيم واليوم العصيب ، فلا يمکن بعد ذلک أن يحمل ما جاء به الغزالي في هذا المقطع ، أو غيره في کتبه الأخرى ، وأن بالغ في تبيين أنواع الثواب والعقاب بالنسبة للروح أنه يريد منها القول بالمعاد الروحاني.
ونحن لا نشک في ثبوته شرعاً ، إلا أننا بحاجة إلى إثباته عقلاً ، وهذا ما لم يحققه لنا أحد سوى ما جاء في کتابات الفيلسوف العارف صدر المتألهين ; ، وسيأتي الکلام فيه في محله ، ولنر هل يمکننا الدفاع عنه أم لا ؟ ولکننا هنا نسأل من الغزالي بمعنى أننا نسأل من کتبه المدونة في هذا الباب هذ الإنسان فيه القابلية لأن يعاد روحاً
ــــــــــــــــ
١. أبو حامد الغزالي ، إحياء علوم الدين ، ج ٤ ، ص ٦٠٥.