قال به الشرع المقدّس
، حتى أنّه لا يعير أهمية لمخالفة العقل في مسألة التناسخ عندما ثبت لديه بحسب نظره
أن الشرع قد جوّز ذلک ، فجعله موضوع إيمان لا موضوع نظر عقلي.
والملفت للنظر أن الغزالي شهد لنفسه بالکمال
العلمي في تحصيله وما بقي عليه إلا العمل ، فقال : ( ... إنّ ما يمکن تحصيله بطريق
العلم فقد حصلته ، ولم يبق إلا ما لا سبيل إليه بالسماع والتعليم ، بل بالذوق والسلوک
... ) ،
وأين هذه من مقال ابن سينا عندما قال : ( اليوم أدرکت أني لا أعلم شيئاً ، وأنّه فوق
کلّ ذي علم عليم ) فالمهم يمکن أن نلخص مناقشتنا إياه بعدة نقاط وهي :
١. إن الغزالي جعل الفطرة الأصلية هي القاعدة
الأساسية لوجوب الإتباع ، ولکنه فرق بين التقليد والاستبصار ، أي بين الإتباع والعقل
، فالأول منهج العوام ، والثاني منهج أهل النظر ، مع أن الفطرة واحدة عند الجميع ،
فکلامه يحتاج إلى مزيد تفصيل حتى يتضح سبب الفرق بين الناس.
٢. إنّه عمم بشکه معارفه ، فکيف انتهى
إلى اليقين ولم يسلم اعتقاده ومعرفته بالله من الشک الذي دخله ، فهذا السؤال يحتاج
إلى جواب ، وکيف عرف أن هذا النور من الحق لا من الباطل ؟.
٣. الانکشاف التام الذي يحصل للإنسان لرؤية
المنکشف على ما هو عليه من واقعية ونفس الأمر ، لا يتم إلا بطي النفس لمراتبها ،
حتى تبلغ أعلى المراتب ، وعندئذ نسأل هل وقف الغزالي في الجانب العملي بحيث وصل
إلى أعلى المراتب أم لا ؟
٤. مخالفته الصريحة لمنهجة الذي کان من الواجب
عليه إتباعه ، ولکننا نجده مخالفاً له في عدة قضايا ، کقضية إثبات وجود الحق تعالى
، مسألة المعاد الجسماني.
٥. وأخيراً نقول : هل تمکن الغزالي من حل
المشکلة المعرفية ، أم أنّه عقدها ؟
ــــــــــــــــ