انحرافاته عن المنهج الإسلامي في أفكاره وممارساته. فقد قام خطيباً عليهالسلام ـ ومعاوية جالس ـ فقال : « أيّها الناس إنّ معاوية بن صخر زعم : إنّي رأيته للخلافة أهلاً ، ولم أر نفسي لها أهلاً ، فكذب معاوية ، وأيم الله لأنا أولى بالناس في كتاب الله وعلى لسان رسول الله صلىاللهعليهوآله ، غير إنّا لم نزل أهل البيت مخيفين مظلومين مضطهدين منذ قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله فالله بيننا وبين من ظلمنا حقّنا » (١). وفي هذا الخطاب بيّن الإمام عليهالسلام إحدى الحقائق الأساسية ، وهي تقمّص معاوية ومن بسط يده من نيل ذلك للخلافة زوراً ، مع تكذيب مدعياته ، وأكّد على إمامة أهل البيت عليهمالسلام ونفي الشرعية عن حكم معاوية فلم يخاطبه إلاّ باسمه. وقال عليهالسلام ذات يوم لمعاوية : « أما الخليفة فمن سار بسيرة رسول الله صلىاللهعليهوآله وعمل بطاعة الله عزّوجلّ ، ليس الخليفة من سار بالجور وعطّل السنن واتخذ الدنيا أمّاً وأباً ، ولكن ذلك أمرَ ملْكٍ أصابَ مَلِكاً ، فتمتع به قليلاً ، وكان قد انقطع عنه وضم لذته ، وبقيت عليه تبعته ، وكان كما قال الله تبارك وتعالى : ( وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ) (٢) ، وأومأ بيده إلى معاوية ، ثم قام عليهالسلام فانصرف » (٣).
فقد استثمر الإمام عليهالسلام الفرصة المتاحة له في مواجهة ممارسات معاوية الخاطئة ، وكشفها أمام الملأ من أتباعه وأتباع معاوية ؛ ووضّح من خلال ذلك الكثير من المفاهيم والقيم الإسلامية السليمة لكي لا يقوى معاوية على طمسها أو تزييف مداليلها ، فقد ميّز عليهالسلام بين منهجين سياسيين منهج الحق الذي يتبناه أهل البيت عليهمالسلام ، ومنهج الباطل الذي اتبعه بنو أمية ومن وافقهم.
المبحث الثالث / الإمام الحسن عليهالسلام من الصلح حتى الشهادة
أخرج الحافظ ابن عقدة أنّ الحسن بن علي عليهماالسلام لمّا أجمع على صلح معاوية
__________________
(١) بحار الأنوار ٤٤ : ٢٢.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١ / ١١١.
(٣) الاحتجاج / الطبرسي ٢ : ٥٢ / ١٥٢.