فلا يمكن حمل الأخبار الظاهرة في اعتبار عدم المندوحة على ظاهرها ، بل لا بدّ من رفع اليد عن ظاهرها والتصرّف فيها بأحد التصرّفات ، مثل حمل « أذّن لنفسك وأقم » في رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، و « صلّوا في بيوتكم » فيما رواه دعائم الإسلام وأمثال ذلك على الاستحباب ، وإلاّ فالقول باعتبار عدم المندوحة مطلقا في جواز التقيّة ينافي ذلك الاهتمام الذي ظهر من طرف الشارع في أمر التقيّة.
ففي رواية زيد الشحّام : « صلّوا في مساجدهم ، وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم وإن استطعتم أن تكونوا الأئمّة والمؤذّنين فافعلوا » الحديث (١).
وفي رواية هشام الكنديّ عن أبي عبد الله عليهالسلام قال فيها : « صلّوا في عشائرهم ، وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم » الحديث (٢).
نعم الذي يصحّ أن يقال هو أنّه لو كان متمكّنا حال الاشتغال بإيجاد الواجب موافقا لهم من تلبيس الأمر عليهم ، وإيهامهم أنّه يفعل بمثل فعلهم وإن كان لم يفعل كفعلهم بنحو لا يكون منافيا للتقيّة ولا يترتّب عليه ضرر ، لا عاجلا ولا آجلا ، لا على نفسه ولا على غيره من طائفته ، يجب عليه ذلك ، ولا يجوز له أن يأتي بما هو خلاف الواقع الأوّلي.
فعدم المندوحة بهذا المعنى معتبر في التقيّة. لكن تقدّم أنّ هذا محقّق موضوع التقيّة ، لا أنّه تقيّة أو تخصيص فيها ، فالحقّ أنّ عدم المندوحة ليس معتبرا وقيدا في موضوع التقيّة.
__________________
(١) « الفقيه » ج ١ ، ص ٣٨٣ ، باب الجماعة وفضلها ، ح ١١٢٨ ؛ « وسائل الشيعة » ج ٥ ، ص ٤٧٧ ، أبواب صلاة الجماعة ، باب ٥٧ ، ح ١.
(٢) « الكافي » ج ٢ ، ص ٢١٩ ، باب التقيّة ، ح ١١ ؛ « وسائل الشيعة » ج ١١ ، ص ٤٧١ ، أبواب الأمر والنهي ، باب ٢٦ ، ح ٢.