تحفر أماكنها عميقاً في الذاكرة .. ولا شيء أخلد في دنيا الطفولة البريئة من مشاهد اليتم ..
لقد فقدت فاطمة امها قبل أن تعى ما حولها من الدنيا وها هي تشهد العاصفة .. عاصفة القدر عندما تنتزع الأيدي الغليظة أباها الرحيم من أهله وبنيه ، لتثقله بالقيود والأغلال ..
نظرت فاطمة الى أخيها .. خُيّل اليها أنها ترى سماءً مثقلة بالغيوم ... الله وحده الذي يعرف اغوار الحبّ الذي تتدفق ينابيعه الصافية في قلب فاطمة .. فاطمة التي شهدت بأمّ عينيها عاصفة الزمن المرير ..
لقد بدأ زمن الشتات .. زمن التشرّد .. زمن تصبح تهمة الزندقة فيه أهون بكثير من أن يقال هذا من أبناء علي .. من أحفاد محمد ...
هارون يخشى موسى .. يخشى كلماته ... إنّها صدى لكلمات محمد ... لخطب علي.
وقفت فاطمة تودّع من بعيد قافلة أخذت طريق البصرة ـ وقد خفق قلبها الى قبّة تحفّها سيوف ورماح .. ان قلبها لا يخطئ ..
غابت القافلة في الأفق البعيد .. وكانت السماء ما انفكّت