وقطع سبحانه في إحداهما بالكفر بعد الايمان ، وجوّز ذلك في الأخرى ، ولو كان المراد به الايمان بالظاهر دون الاعتقاد ، ولما قطع سبحانه بذلك وسماهم مؤمنين من غير استثناء ، وقد ذكر سبحانه بذلك المؤمن بالظاهر دون الباطن وبين حاله في قوله تعالى ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ ) (١) فبأي شيء يتأول القائلون بعدم جواز كفره بعد ، بهذه الآيات الكريمة وأشباهها.
بين لنا تلك أيدك الله بالعلوم الدينية وحرسك الله من الأفعال الدنية ، مع أن المملوك يجد من قلبه ان المؤمن المستكمل بشرائط الايمان لا يجوز عليه الكفر لا كفرا منقطعا ولا كفرا يوافي عليه ، يجزم قلب المملوك بذلك ويقطع به من غير التفات الى دليل ، ولو أعرضت عليه كل دليل ينافي هذا الاعتقاد ما قبله ولا أصغى اليه.
فهل يكون المملوك في هذا الاعتقاد الجازم مخطئا أو مصيبا ، بين لنا ذلك جميعه مفصلا مبينا ، جعل الله كل صعب عليك هينا ، فليوضح ذلك سيدي لعبده ، ولو زاد فيه ورقة من عنده ، وليفعل ذلك سيدي في بقية المسائل فإنه من أهل الفضل والفضائل.
الجواب اختلف الناس في هذه الآية بناءا على اختلافهم في أن الايمان هل يصح أن يتعقبه كفر أم لا ، وفي أن الإحباط هل هو صحيح أم لا ، وفي أن الموافاة هل هي شرط في الايمان أم لا.
فقال السيد المرتضى رحمهالله (٢) : ان الايمان الحقيقي لا يصح أن يتعقبه كفر ، لان ثواب الايمان دائم وعقاب الكفر دائم ، والإحباط والموافاة عنده
__________________
(١) سورة المائدة : ٤١.
(٢) في بعض الكتب الفقهية نسب هذا القول الى الشيخ « ره ».