سأبكيك ما ناحت
حمامة أيكة |
|
وما اخضر في دوح
الحجاز قضيب |
غريب وأكناف
الحجاز تحوطه |
|
ألا كل من تحت
التراب غريب |
فلا يفرح الباقي
ببعد الذي مضى |
|
فكل فتى للموت
فيه نصيب |
وليس حريبا من
أصيب بماله |
|
ولكن من وارى
أخاه حريب |
بكائي طويل
والدموع غزيرة |
|
وأنت بعيد
والمزار قريب |
نسيبك من أمسى
يناجيك طيفه |
|
وليس لمن تحت
التراب نسيب (١) |
وأقبل أخوه ، الثاكل الحزين محمد بن الحنفية فوقف على حافة القبر كأنه يعاني آلام الاحتضار قد استجاب لأحاسيس نفسه الولهى ، وقلبه المتصدع الذي ليس فيه فراغ لغير الأسى والحزن وهو يصوغ من حزنه كلمات قائلا :
« رحمك الله يا أبا محمد ، فو الله لئن عزت حياتك لقد هدت وفاتك ولنعم الروح روح عمّر بدنك ، ونعم البدن بدن تضمنه كفنك ، ولنعم الكفن كفن تضمنه لحدك ، وكيف لا تكون كذلك وأنت سليل الهدى ، وحليف أهل التقى ، وخامس أصحاب الكساء ، وجدك المصطفى ، وأبوك المرتضى ، وأمّك فاطمة الزهراء ، وعمك جعفر الطيار في جنة المأوى ، غذتك أكف الحق ، وربيت في حجر الإسلام ، وأرضعتك ثدى الإيمان فطبت حيا وميتا ، وإن كانت أنفسنا غير قالية لحياتك ، ولا شاكة في الخيار لك ، وإنك وأخاك لسيدا شباب أهل الجنة ، فعليك أبا محمد منا السلام » (٢).
وبعد الفراغ من دفن الإمام وتأبينه أقبلت الجماهير ترفع للإمام
__________________
(١) مقتل الحسين ١ / ١٤٢ ، وقيل ان الأبيات أنشدها محمد بن الحنفية
(٢) زهر الآداب ١ / ٥٥ ، تأريخ اليعقوبي ٢ / ٢٠٠.