« يا أبا عمارة! .. إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمس في يد غلماننا يلعبون به. »
ثم ركل القبر الشريف برجله ، ومضى مثلوج الصدر ، ناعم البال ، قرير العين ، كل ذلك بمرأى ومسمع من عثمان فلم يوجّه له عتابا ولم ينزل به عقابا ( فإنا لله وإنا إليه راجعون ).
هذا واقع أبي سفيان في كفره وحقده على الإسلام ، وأما زوجته هند فانها لا تقل ضراوة عن زوجها وكانت أحقد منه على رسول الله (ص) فكانت تحرض المشركين على قتاله ومناجزته ، ولما انتهت واقعة بدر بقتل أهلها ومن يمت إليها من المشركين ، لم تظهر الحداد والحزن (١) عليهم ، تحرض بذلك قريشا على الطلب بثارهم وجاءتها نسوة قريش قائلات لها :
« ألا تبكين على أبيك ، وأخيك ، وعمك ، وأهل بيتك »؟
فانبرت إليهن قائلة بحرارة :
« حلأني أن أبكيهم فيبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بنا ونساء بني الخزرج لا والله حتى أثأر محمدا وأصحابه ، والدهن عليّ حرام إن دخل رأسي حتى نغزوا محمدا ، والله لو أعلم أن الحزن يذهب عن قلبي لبكيت ، ولكن لا يذهبه إلا أن أرى ثأري بعينى من قتلة الأحبة. »
ومكثت على حالها لم تظهر الأسى ، ولم تقرب من فراش أبي سفيان
__________________
(١) كانت العادة في الجاهلية تأخير البكاء على القتيل منهم حتى يؤخذ بثأره فاذا أخذ بكت عليه نسوتهم وفي ذلك يقول شاعرهم :
من كان مسرورا بمقتل مالك |
|
فليأت نسوتنا بوجه نهار |
يجد النساء حواسرا يندبنه |
|
يلطمن حر الوجه بالاسحار |
صبح الأعشى ١ / ٤٠٥.