عُذْرَهُ ، فإِذا لم يَتُبْ في طولِ هذهِ المدّةِ وقد بلغَ هذا العُمْرَ لم يكن لهُ عُذْرٌ ، فإنَّ الشَّابَّ يقولُ : أَتوبُ إِذا شِختُ ، والشَّيخُ مإذا يقولُ؟ ومثلُهُ : ( لَقَدْ أَعْذَرَ اللهُ إِلَى مَنْ بَلَغَ بِهِ مِنَ العُمْرِ سِتِّينَ سَنَةً ) (١).
( مَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيهِ العُذْرُ مِنَ اللهِ ولِذلكَ أَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الكُتُبَ ) (٢) يريدُ بالعُذْرِ هُنا الإِعْذَارَ ؛ وهو الإِتيانُ بما يصيرُ بهِ مَعْذُوراً إِن عاقبَ مَنْ أَشرَكَ بهِ أَو أَنكَرهُ أَو خالفَ أَمرَهُ ونَهَيهُ ، لِئلاَّ يكونَ للنّاسِ على اللهِ حجَّةٌ.
اسْتَعْذَرَ رَسُولُ اللهِ صلىاللهعليهوآلهوسلم مِنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أُبَيّ فقالَ وهوَ على المِنْبَرِ : ( مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ كَذَا وَكَذَا؟ ) فقام سَعْدٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ (٣) ، أَي مَن يقومُ بُعذْرِي إِن أَنا عاقبتُهُ.
ومثلُهُ : ( اسْتَعْذَرَ أَبَا بَكْرٍ مِنْ عَائِشَةَ ) (٤) أَي كُنْ عذيري منها إِن عاقبَتُها ، وذلكَ في شيءٍ عتَبَ فيهِ عليَها.
( قَدْ أَعْذَرَ اللهُ إِلَيكَ ) (٥) أَي بلغَ بكَ مُنتهى العُذْرِ وغايتَهُ فأَسْقَطَ عنكَ الجهادَ ورخَّصَ لكَ في تَرْكِهِ.
( نَهَاهُمْ أَحْبَارُهُمْ تَعْذِيراً ) (٦) أَي مُقصِّرينَ غيرَ مبالِغينَ في النّهيِ ، وُضِعَ المصدرُ موضعَ اسمِ الفاعِلِ حالاً ؛ نَحوَ : جاءَ رَكْضاً.
ومنهُ : ( وتَعَاطَى مَا نَهَيْتَ عَنْهُ تَعْذِيراً ) (٧) أَي مُقصِّراً في الانتهاءِ عنهُ معَ طلبِ إِقامةِ العُذْرِ.
__________________
(١) مسند أحمد ٢ : ٢٤٨ ، النّهاية ٣ : ١٩٦.
(٢) صحيح مسلم ٤ : ٢١١٤ / ٣٥ ، وفي البخاري ٩ : ١٥١ ، ومسند أحمد ٤ : ٢٤٨ بتفاوت يسير.
(٣) الفائق ٢ : ٤٠٢ ، غريب الحديث لابن الجوزي ٢ : ٧٦ ، النّهاية ٣ : ١٩٧.
(٤) الفائق ٢ : ٤٠٢ ، النّهاية ٣ : ١٩٧ وفيهما : أَنَهُ استعذر ...
(٥) غريب الحديث للخطّابي ٢ : ٣٥٨ ، الفائق ٢ : ٤٠٧ ، النّهاية ٣ : ١٩٧.
(٦) الفائق ٢ : ٤٠٨ ، وفي غريب الحديث لابن الجوزي ٢ : ٧٦ ، والنّهاية ٣ : ١٩٨ « كانوا إذا عُمل فيهم بالمعاصي نهوهم تعذيراً ».
(٧) النّهاية ٣ : ١٩٨.