بالتّخفيفِ (١) مِن أَعْذَرَ إِذا اجتهَدَ في العُذْرِ وبالغَ فيهِ.
والمعنى على الأَوّل المُقَصِّرُونَ المعتَذرونَ بالباطلِ ، وعلى الثَّاني يحتملُ أَن يكونَ المُعتذِرونَ صدقاً ؛ أَي الَّذينَ جاؤُوا بعُذْرٍ صحيحٍ ، وأَن يكونَ المُعتذِرونَ كذباً ولا عُذْرَ لهُمْ ؛ لأَنَّ الاعتذارَ قد يكونُ صِدقاً وقد يكون كِذباً ، وعلى الثّالثِ الصَّادِقونَ في العُذرِ ، وإلى كلٍّ من ذلكَ ذهبَ جمعٌ منَ المفسِّرينَ.
( وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ ) (٢) قيل : هو اسمُ جمعٍ لمَعْذِرَة ، وقيل : جمعٌ لها ، وقيلَ : جمعُ مَعْذُورٍ مصدرٍ بمعنى العُذْرِ ؛ كالمَعْقُول ، وقيل : جمعُ مِعْذَارٍ ؛ وهو السِّتْرُ.
والمعنَى : الإنسانُ بصيرٌ بنفسهِ وعملِهِ ولو جاءَ بكلّ مَعْذِرَةٍ يُحاجُّ بهَا عن نفسِهِ ؛ فإنّها لا تنفعُهُ ؛ إذ قد علمَ أنّ طاعةَ خالقهِ واجبةٌ وعصيانَهُ منكرٌ فهُوَ حُجَّةٌ على نفسهِ ، أَو وَلَو أَرخَى السُّتورَ فلَن يَخْفَي شيءٌ من عملِهِ.
الأثر
( لَا يَهْلِكُ النَّاسُ حَتَّى يَعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) (٣) يُروَى بفتحِ الياءِ وضمِّها وهُما بمعنىً ، قال أَبو عُبيدةَ : معناهُ حتَّى تكثرَ ذنوبُهُم وعيوبُهُم ، قال : ولا أُراهُ إِلاّ من العُذْرِ (٤) ، أَي يَستَوْجِبُوا العقوبةَ فيكونُ لمَن يُعذِّبُهم العُذْرُ في تعذيبهِمِ ، يريدُ : حتّى يفعَلُوا ما يتَّجهُ بهِ العُذْرُ لمُعْذِّبِهِم.
ومنهُ : ( العُمْرُ الَّذي أَعْذَرَ اللهُ فيهِ إِلى ابنِ آدَمَ سِتَّونَ سَنَةً ) (٥) أَي أَتَى بما صارَ بهِ مَعْذُوراً إِن عاقبَهُم حيثُ أمهَلَهُم هذهِ المدَّةَ. وقيل : الهمزةُ للسَّلبِ ، أَي أَزالَ
__________________
(١) قراءة الكسائي ويعقوب وغيرهما انظر حجّة القراءات : ٣٢١ ، والنّشر ٢ : ٢٨٠.
(٢) القيامة : ١٥.
(٣) الفائق ٢ : ٤٠١ ، غريب الحديث لابن الجوزي ٢ : ٧٦ ، النّهاية ٣ : ١٩٧.
(٤) انظر غريب الحديث للهروي ١ : ٨٥.
(٥) نهج البلاغة ٣ : ٢٣١ / ٣٢٦ ، مجمع البحرين ٣ : ٣٩٩.