عَبَدَهُ ؛ لأَنُّهُ جمادٌ لا يَقدِرُ على ضَرٍّ أَو نَفْعٍ ، وإنَّما أَثبَتَ لهُ الضَّرَّ في قولِهِ : ( لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ ) بطريقِ المَجَازِ لكَونِهِ سبباً لَهُ ؛ إِذ كانَتْ عبادَتُهُ توجِبُ القتلَ في الدُّنيا والعذابَ في الآخرةِ ، وأَثبَتَ لَهُ النَّفعَ بناءً على مُعتَقَدِ داعيِهِ في تَرَقُّبِهِ النَّفعَ منهُ ، وكَلِمَةُ « مِنْ » وصيغةُ التَّفضيلِ للتَّهكُّم بهِ. وفي الآيةِ أَوجهٌ عَدِيدةٌ والمُختارُ ما ذَكَرنَاهُ.
( وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ ) (١) أَصلُهُ يُضَارِرْ ـ بكسرِ الرّاءِ الاولى ـ فيكونُ مبنيّاً للفَاعِلِ ، وبهِ قرأ عَمرُو (٢) وعليهِ أَكثرُ المُفسِّرينَ ، وهو نهيٌ للكاتبِ والشَّاهدِ عنِ المُضَارَّة بأَنْ لا يَجِيئا إلى ما يُطلَبُ منهُما من الكتابةِ والشَّهادةِ ، وأَن يُخرِّفا ويَزيدا ويَنْقُصَا فِيهَما ، وأَن لا يَكتُبَ الكاتبُ بما لم يُمَلَّ عَليهِ ويَشهدَ الشّاهدُ بما لم يُسْتَشْهَدْ فيهِ ، أَو بفَتحِها فيكونُ مبنيّاً للمفعُولِ ، وبهِ قرأ ابنُ عبّاسٍ وعليهِ ابنُ مسعودٍ ومجاهدٌ (٣) ، وهو نهيٌ عن المُضَارَّةِ بهما ؛ بأن يُشْغلا عن كَسبِهما ومعاشِهِما ، ويُمنَعَ الكاتبُ جُعْلَهُ والشّاهِدُ مُؤونَةَ مجيئِهِ من مسافة ، وغيرُ ذلكَ ممَّا يضرُّ بهِمَا.
( الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً ) (٤) لأَجلِ مُضَارَّةِ المُؤْمنينَ. قيل : إِنَّهم قَصَدُوا قتلَهُم فيهِ بعدَ سَدِّ أَبوابهِ.
( أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ ) (٥) هو ما مَسَّهُ بهِ الشَّيطانُ من نُصْبٍ ؛ لقولِهِ : ( أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ ) (٦) ، أَو ما ابتَلاهُ اللهُ بهِ من هَلاكِ أَولادِهِ بهَدْمِ بيتٍ عليهم وذَهابِ أَولادِهِ والمَرضِ في بدنِهِ ثلاثَ عشرَ سنةً أَو أَكثرَ أَو أَقلَّ ، أَو ما بلغَ بهِ من شِدَّةِ المَرضِ وجهدِ البَلاءِ حتَّى بَقيَ طريحاً على الكُناسَةِ لا يَحُومُ حولَهُ أَحدٌ من النَّاسِ.
__________________
(١) البقرة : ٢٨٢.
(٢) و (٣) انظر إعراب القرآن للنحّاس ١ : ١٨٢ ، وتفسير البحر المحيط ١ : ٣٥٤.
(٤) التّوبة : ١٠٧.
(٥) الأنبياء : ٨٣.
(٦) سورة ص : ٤١.