الكتاب
( وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ ) (١) جعَلَ الشُّحَّ أمراً حاضراً للأَنفُس لا يغيب عنها ، يعني أَنَّها مجبولةٌ عليه لا ينفكُّ عنها أبداً. والغرضُ أَنَّ المرأة لا تكادُ تسمحُ بحقوقِها من الرَّجلِ ولا الرَّجلُ يسمَحُ بأَن يقسِمَ لها وأَنْ يُمْسِكَها إذا رغب عنها ومَالَ إلى غيرِها.
( عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ ) (٢) أَي ما أحضَرتْهُ من أَعمالها من خيرٍ وشرٍّ. وإسنادُ الإحضارِ إليها مجازٌ إذ كان بسببٍ منها وإلاّ فحضُورُها حقيقةً إنّما هو بأَمرِ الله تعالى.
( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ) (٣) أي توَدُّ كلُّ نفسٍ يومَ تجِدُ ما عَمِلت من خيرٍ مُحْضَراً وما عمِلَتْ من سُوءٍ مُحْضراً أَيضاً لو أَنَّ بينَها وبينَ ذلك اليومِ وأَهوالِهِ أَمداً بعيداً. والمقصودُ تَمَنِّي فقدِهِ ؛ كقولِهِ : ( يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ ) (٤) وإسنادُ الوُدِّ إلى كُلِّ نفسٍ ولو كانَ بعضُها مُمْتَحِضاً في الخيرِ للدَّلالةِ على كمالِ فَضَاعَةِ ذلك اليومِ وهَوْلِ مُطَّلَعِهِ.
( وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً ) (٥) أَي مُثْبَتاً في الصُّحُفِ ، أَو جزاءَ ما عَمِلوا حاضراً إنْ خَيرٌ فخَيْرٌ وإن شَرٌّ فشَرٌّ ، أَو ما عمِلوهُ بنفسِهِ حاضراً على ما قالُوه من أنّ الأعمالَ الظّاهرةَ في هذه النَّشأةِ بصور عَرَضِيَّةٍ تبرُزُ في النّشأةِ الآخرةِ بصُورٍ جوهريّةٍ مُناسِبَةٍ لها في الحُسْنِ والقُبْحِ ؛ وهُوَ القولُ بتَجَسُّمِ الأعمال.
( ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ) (٦) أَي مِنَ الَّذِين أحضروا
__________________
(١) النّساء : ١٢٨.
(٢) التّكوير : ١٤.
(٣) آل عمران : ٣٠.
(٤) الزّخرف : ٣٨.
(٥) الكهف : ٤٩.
(٦) القصص : ٦١.